أخر الأخبار

صهيل الخيل: تمدد العنصرية وتنامي خطاب الكراهية في السودان (1/2)

 

د. عبدالمجيد عبدالرحمن ابوماجدة
“1”
ظل السودان الوطن الكبير المترامي الأطراف منذ تكوينه الأول مغنماً وغنيمةً مستباحةً للدول العظمى في عهد الاستعمار الأول .
إنّ السودان القديم عبارة عن ممالك وسلطنات فكان قبل الميلاد دولة “علوة والمقرة” على الشريط النيلي والبحر الأحمر وكانت القوافل التجارية لهذه الدولة قبل الميلاد تصل إلى مملكة “أكسوم” في الحبشة، كما انّ هناك ممالك وسلطنات قامت في مناطق متفرقة من السودان كمملكة الفونج والعبدلاب وبعض السلطنات المتفرقة في جبال النوبة السلطان علي الميرأوي وسلطنة المسبعات والسلطان على دينار بدارفور حتى العام 1916م.
يعتبر قاطني دولة السودان عبارة عن مجموعات قبائليية واثنيات عشائرية تقطن في أجزائه المتفرقة في الشرق والغرب والجنوب والشمال .
صحيح أنّ هناك مجموعات وهي ليست بالكثيرة تعتبر نفسها هم المؤسسون الأوائل للسودان، كما توجد قبائل واثنيات اغلبها أتت إلى السودان وافدة عبر الهجرات التاريخية الإنسانية المعروفة أو بسبب ظروف وأحوال أخرى كالنزاعات والحروب والكوارث الطبيعية .
أما القاسم المشترك بين هذا الكم “المتناسل” من هذه القبائل فهو ارض الوطن المسمى سابقاً ارض “الاثنين مليون” ميل مربع .
“2”
إنّ للمستعمر دوراً كبيراً ومهماً في بقاء هذه القبائل والعشائر ان تعيش هكذا حتى يُسهل له ترويضها وتدجينها ومن ثمّ السيطرة عليها عبر وكلائه من نفس القبائل ومخابراته ومخبريه السريين .
ظلت حال الوطن السودان وقبائله في توهان دائم بين البقاء في كنف القبيلة والعشيرة أو الخروج منها إلى عباءة تأسيس كيان وطني شامل وجامع تذوب فيه كل هذه العناصر القبلية لتنصهر في بوتقة الوطنية الحقة، لكن دائماً وأبداً قبل ما تبدأ هذه الفكرة “المُلهمة” تخبوا مجدداً وينطفئ وميضها، وذلك بسبب عدم وجود التفكير الجمعي المستنير وخلق أوضاع وبيئة مهيأة لتشكيل الهوية السودانية الموحدة .
“3”
إنّ الغزو الأوربي الأول واكتشاف قارة أفريقيا ومجاهيلها قبل الحرب العالمية الأولى مروراً بكل الغزوات والتجريدات والحملات التأديبية التي دخلت ارض السودان عن طريق النيل قبالة دولة “مصر” كان همها الأول والأخير هو الحصول على المواد والموارد الخام التي تحتاجها البلاد الأوربية كما أنها جاءت لدراسة حالة السكان الذين يقطنون هذه البقاع المجهولة والاستفادة منهم ومن قوة شكيمتهم الجسمانية وقوة التحمل للعمل في المناجم واستخدامهم كمقاتلين أشداء في أي حروب في تلك الفترات .
إنّ دخول التركية السابقة إلى ارض السودان وسيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد كان من اجل البحث والتنقيب عن المعادن النفيسة خاصة “الذهب” واكتشاف معالم جديدة والاستفادة من بسط النفوذ والقوة في أفريقيا غرب النيل والسودان كان الهدف الرئيسي لهذه الحملات .
“4”
إنّ خطاب الكراهية والعنصرية في السودان بدأ يظهر جلياً منذ القرن التاسع عشر الميلادي عندما أسس الأمام المهدي الدولة الوطنية الأولى التي جمع فيها اغلب قيادات واعيان قبائل السودان ونداءاته المتكررة لهم والتي شقت آفاق السودان وهجرته غرباً بحثاً عن الرجال للانضمام إليه وقبول دعوته وذلك للتبشير بأحياء قيم الدين والاصطفاف من اجل طرد المستعمر من ارض الوطن، فوجدت نداءاته استجابات واسعة من قيادات هذه القبائل وشبابها واستطفوا حول مشروعه “الاستراتيجي” فكانت الوحدة والتلاحم الحق في سبيل الانتصار للوطن وطرد المستعمر الدخيل.
لم يعيش الإمام المهدي طويلاً فانتقل إلي رحاب الله وخلفه الخليفة عبدالله التعايشي في إدارة شؤون الدولة السودانية فبدأ خطاب العنصرية والكراهية يطفح على السطح، فمنذ تلك الحقبة التاريخية ظهر خطاب الكراهية ينمو وتتمدد العنصرية على امتداد الوطن السودان.
إنّ خطاب الكراهية والعنصرية في السودان اصبح مرادفاً ومصاحباً لكل الحقب الوطنية التي مرت على السودان بداية بخروج المستعمر وتأسيس أول حكومة وطنية في السودان .
“5”
استمر الحال وخطاب الكراهية موجوداً ومتوارثاً في خطب واحاديث الساسة السودانيين وكانت العنصرية تتمدد هي الأخرى حتى في تفاصيل الحياة اليومية في السودان فأصبحت النكاد والسُخرية بين قبائل السودان جزءاً من ثقافاتهم حتى في مؤسساتهم ونواديهم ومجتمعاتهم وفي أفراحهم وأتراحهم.
إنّ انفصال إقليم جنوب السودان في العام 2011م عن السودان لعبت فيه العنصرية وخطاب الكراهية والتعالي الاثني والقبلي والثقافي والديني أدواراً مهمةً حتى زادت من الاحتقان، وكانت الحروب بين طرفي الوطن وما تسببه من دمار وإزهاق للأرواح هي من أدت إلى عمل تسوية، بموجب ذلك جاءت اتفاقية نيفاشا للسلام في العام 2005م وبموجبها انفصل إقليم جنوب السودان وذهب وفي غصة بعض السودانيين الذين يؤمنون بالوحدة وتذويب الفوارق القبلية والمجتمعة مرارة شديدة في حلوقهم، وما زالوا متأثرون بذلك.
لم تتغير الحال عقب ذهاب الجنوب بحاله وكل العالم شاهد فيه قتالاً مريراً بين المكونات السكانية فيه وكان “بأسهم” بينهم شديد .
كاتب وباحث سوداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى