أخر الأخبار

تعليق على نقاش عبدالعزيز الحلو ورشا عوض

 

بقلم :إبراهيم إسحق أبكر

كتبت الأستاذة رشا عوض بأن حركات دارفور لا يمكن وصفها حركات ثورية. فرد عليها القائد عبدالعزيز الحلو بسرد تاريخي عن حركات الاحتجاج في الهامش منذ سنوات بعيدة. وأريد في هذه المقالة المختصرة التعليق على حجج الحلو.
لم تنكر رشا عوض بأن هناك قضية لمناطق الهامش ولكنها أكدت وعن حق بأن حركات الهامش افشل محامي للقضية العادلة.
والحركة الثورية بالمعنى الإيجابي لكلمة ثورية ليس معناها ان ترفض مظالم ما وإنما تعني كذلك ان تمتلك تصورا عمليا لازالة هذه المظالم وان يكون بديلها المطروح أرقى وأفضل من وضعية المظالم التي ترفضها فضلا عن وجود قيادة ثورية ذات استقامة فكرية وأخلاقية كقيادة لهذه الحركة.
والدليل على ما قلنا تؤكده وقائع التاريخ. فكمثال إعترض تنظيم القاعدة على وجود القواعد الأجنبية في الخليج، وربما يكون المطلب في حد ذاته صحيحا، ولكن ما من عاقل يرى تنظيم القاعدة تنظيما ثوريا ،فهو من الوحشية والتخلف بحيث يشكل انتصاره نكوصا حتى عن أنظمة المشيخات في الخليج. و نشأت قديما بعض حركات احتجاج العبيد – زمن الرق – ولكن كثيرا من هذه الحركات لا يمكن اعتبارها حركات ثورية لأنها لم تتصور مجتمعات بديلة عن مجتمعات الاسترقاق فسعت الي مجرد قلب المعادلة بتحويل العبيد الي أسياد و الأسياد الي عبيد ولهذا السبب اتسمت هذه الحركات بعنف وحشي باهظ ولم تخلف أثرا تقدميا. وبالمقابل فإن حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينات وحركة المؤتمر الافريقي في جنوب أفريقيا كلاهما حركتان ثوريتان وملهمتان انسانيا لانهما ليسا مجرد رد فعل على المظالم وإنما بلورا استراتيجية بديلة انسانية وأكثر رقيا وتقدما.
فإذا اتفقنا على ذلك فإن حركات دارفور في أحسن احوالها حركات احتجاج او رد فعل وليست بديلا.
هذه الحركات ليست على صلة بقيم العصر الإنسانية. ليست ذات صلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمؤسسية والشفافية والمحاسبية. ولهذا ايدت بلا اختشاء وبلا احساس بأي ذنب انقلاب ٢٥ أكتوبر. وسبق وشاركت غالبها نظام الإنقاذ الاجرامي الإبادي في السلطة. وتشترك الحركة الشعبية باعتبارها الحركة الام مع هذه الحركات في هذا النقص القيمي الفادح. ولهذا السبب قال الحلو ردا على سؤال كيف تتفق مع جماعة الموز رغم تأييدها الانقلاب بأن هذه مجرد قشور!!. انقلاب على انتقال ديمقراطي، أضاع على البلاد فرص الاستقرار والمعافاة الاقتصادية، بل وانتهك حقوق الإنسان انتهاكات جسيمة، اكثر من ١٢٠ شهيد و٨ آلاف جريح من شباب عزل وسلميين، وكل ذلك مجرد قشور!!..
وبذات هذه العقلية لم يجد الحلو سابقا اي حرج في أن يكون نائبا لأحمد هارون، المجرم الذي يعلن على الملأ أن الأسرى عبئ إداري!!!.
ولهذه الأسباب نفسها – أسباب الغربة عن قيم العصر الإنسانية – فإن الحركة الشعبية الأم حين انفردت بحكم جنوب السودان ارتكبت الابادة الجماعية وتورط كل قادتها في الفساد، حتى ان المواطنين الجنوبيين العاديين يسخرون بأن (قادة الحركة اذا اختلفوا قتلونا واذا اتفقوا سرقونا). ونص تقرير خبراء الاتحاد الافريقي بأن الفظائع التي ارتكبها قادة الحركة في الحرب فيما بينهم اسوأ حتى من الفظائع التي ارتكبت إبان الحرب الأهلية سابقا. فاضافة للقتل والحرق على الهوية كانت مرتبات الجنود في بعض الأحيان عدد من الضحايا النساء للاغتصاب!!. .
وحركات دارفور اسوأ بما لا يقاس من الحركة الشعبية. فقادتها بلا معرفة وبلا استقامة وبلا نزاهة. لا يملكون سوى الإدعاءات العريضة والبجاحة .. اي قائد حركة خصص لهم نصيب معين من السلطة وضع اقرباءه وعشيرته بدلا عن أهل دارفور. بعيدة حتى من خيالهم حقيقة ان المحسوبية فساد!!! وتؤكد تجربتهم سواء في إدارة حركاتهم او إدارة الدولة انهم لا يؤمنون بأي حرمة للمال العام. موارد الحركات هي موارد خصوصية للقادة بلا شفافية وبلا مساءلة ، ثم موارد الدولة نفسها موارد مستباحة للقادة وعشائرهم.. وهذه حقائق لم تعد مثار جدال نزيه، كما تؤكد ممارسات جبريل ابراهيم في المالية وفي الصندوق الاستثماري للضمان الاجتماعي وممارسات مناوي وقريبه ابو نمو في وزارة التعدين.
وكذلك مما يؤكد ان قادة هذه الحركات ليسوا ثوريين وإنما لوردات حرب عدم النزاهة التي يتعاملون بها معنا كأهل دارفور، فهم يدعون الحديث باسمنا في حين ينهبون الموارد المخصصة للاجئين والنازحين والسلم الاجتماعي، ينهبوها لترفهم الشخصي ، ترف مستجدي النعمة، فيلل ومنازل في المنشية والرياض، وعوازيم لا تخشى فقرا في السلام روتانا، وهدايا العربات الصوالين للمبتذلات من بنات الجلابة!!!. ثم في كونفويات رحلات شوفوني التي بلا اي حساسية تجاه أوضاع المهمشين في معسكرات النزوح واللجوء.
وكذلك تؤكد عدم النزاهة وعدم الاستقامة الاخلاقية تقارير حيادية موضوعية مثل تقارير خبراء الأمم المتحدة وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان ،وتكشف هذه التقارير عن وقائع الارتزاق ونهب الذهب وفرض الاتاوات بالقهر والتعذيب كما تكشف عن تعذيب واغتيال المعارضين حتى داخل الجماعة الواحدة نفسها. ومن بين هذه الوقائع التي لا يمكن انكارها تصفية جبريل ابراهيم للعشرات من قبيلة القمر أعضاء حركته بدم بارد.
ويكفي مثالا على البؤس الأخلاقي لحركات دارفور ان مناوي احد قادتها. لو كانت هناك أي معايير او مواصفات للقيادة في هذه الحركات لما صعد شخص بهذا الفقر الأخلاقي لقيادة حركة. لا أحد يسأله في حركته كيف يمتلك منزلا في ألمانيا. ولا احد يسأله عن ارتزاقه في ليبيا. ولا احد يسأله عن أين صرف ما يقارب ٥ ملايين دولار كمخصصات إبان عمله كمساعد حلة للسفاح البشير. لم يبني مدرسة واحدة ولا مركز صحي واحد في دارفور ومع ذلك يمتلك منزلا في ألمانيا؟!!. تماما كجبريل الذي لا يسأله احد كيف اشتري لنفسه ولعشيرته الاقربين منازل في أرقى أحياء الخرطوم؟!!.. .
و الأسوأ والأمر بعد كل ذلك العمالة المباشرة للمخابرات المصرية، ينسقون معها دعم الانقلاب وتخريب الانتقال الديمقراطي ،ومع هذا وبكل وقاحة قطاع الطرق لا يتورعون عن المزايدة بالوطنية!!!. .
لقد كنا في دارفور ومنذ سنوات نعرف معادن هؤلاء لكنا كنا نسكت خشية أن يصب انتقادهم في صالح نظام الإنقاذ الاجرامي، ولكن بعد انحيازهم لانقلاب ٢٥ أكتوبر الذي هدفه الأساسي إعادة تمكين النظام البائد، لم يعد الصمت عنهم ممكنا.
ان هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي لا يمكن مطلقا ان يساهموا في رفع المظالم عنا، فعدالة توزيع السلطة والثروة لأهل الهامش لا يمكن أن تتم الا في ظل نظام ديمقراطي، ثم انهم لا يعترفون بحكم القانون وبلا اي معايير مؤسسية ولهذا فإن سلطتهم هي بالضرورة سلطة لصوصية وهمبتة وعشوائية، كما ليس لهم أي حس إنساني وبالتالي فإنهم لن يحكموا الا بانتهاكات حقوق الإنسان.
ومن كل ما سبق فإن هؤلاء ليسوا قيادات ثورية وإنما لوردات حرب ، يريدون بالبندقية والمزايدات مشاركة قوي السودان القديم الامتيازات والنهب ولا يريدون انصافنا في الهامش.
ولهذا فإن رشا عوض على حق وعبدالعزيز الحلو مخطئ يحاول تبرير ما لا يمكن تبريره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى