أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عايشتها (٩)

 

بقلم :منتصر ابراهيم

تشهد مدينة نيالا يوم غداً الخميس الموافق ١٠ نوفمبر احتجاجات بقفل طريق نيالا الفاشر، حسب
واحة النخيل عبارة عن بقعة خضراء في أعماق الصحراء. تمتد من الوخائم والمِجوّر وجبرونا على وادي هور مرورا بهضاب كرب التوم ؛ حتى جبال كسو والعوينات عند الحدود الليبية تعرف باسم صحراء الميدوب .
تعكس هذه القضية ، شكل الصراع في مجتمعات الصحراء ، البدو رعاة الإبل من الزغاوة والعرب الشمالية ، وهو الصراع المستمر على امتداد الساحل الإفريقي ، وتربط بين هذه المجتمعات ارتباطات الثقافة والنظم الإجتماعية ، بل وتمتد المصاهرات وصلات النسب والقُربي الى حد بعيد ؛ ففي غالب الأحيان تجد أن للزغاوة والماهرية العرب (جدة ) حبوبة من ناحية الأب تربط بينهم ، او أن زغاوي قد تربى مع خواله العرب في بادية او دامرة وإن كان التمييز واضحاً ؛ ورغم ذلك فهناك ثأرات عابرة للحدود بين دول الصحراء تشاد والسودان ؛ وانشطة نهب الإبل الممارسة الشائعة كتلك التي حدثت قبل ثلاثة شهور وسببت توتر في العلاقات بين السودان وتشاد ، وراح ضحيتها عدد من العرب على الجانب السوداني ، ودار نقاش حول ادوار القوات المشتركة بين البلدين ، وكان حميدتي في الجنينة في ذلك الوقت حيث شهد تشييع القتلى ؛ وكان الإبل قد عبر الحدود الى الداخل التشادي ؛ وكان ملحوظاً عدم تقديم مناوي لتعزية على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي ، وهو قد قام بزيارة تشاد في تلك الفترة !!!
تشير هذه القصة ، الى أشكال المصالح الاثنية المتعارضة ، وديناميات الحراك السياسي والاقتصادي على طرفي المكونات القبلية الموزعة بارتباطات عشائرية ، بين بلدين وأكثر ؛ وتاثير ذلك على المشهد الوطني ، خصوصاً أن التركيب الاستعماري لنظام السلطة في دولة السودان قائمة بشكل رئيسي على استقطاب الأطراف المتعارضة مصالحها ، او المتنافسة في إتجاه تكريس السلطة ( فرق تسد ) ، وهو ما حدث فعلاً في خط الأزمة في دارفور وفي كردفان وفي مختلف المناطق التي تشهد نزاعات واضطرابات ؛ إذن فالأمر هنا تاريخياً تعتبر ازمة دولة ونظام سياسي بشكل رئيسي أكثر منه صراع إجتماعي قائم لوحده ، وهو التناقض الذي وقعت فيه حركات تحرير السودان بأشكالها كلها ، حيث كانت واقعة تحت استقطاب التوجهات الامريكية التي عرفت الصراع علي نحو خاطئ بأن العرب يبيدون العناصر السود ممثلا في الزغاوة والفور والمساليت ؛ مع أن الواقع يعبر عن الصراع بين المكونات الإجتماعية بأشكال مختلفة في إطار المحيط الاجتماعي والانشطة الاقتصادية لكل مجموعة ، مثلا الصراع على الثروة كالإبل مثلاً هو الشكل الابرز بين البدو رعاة الإبل ، والصراع على المسارات والانتفاع من المساحات الخصبة نجدها بين الرعاة الأبالة وبين القبائل المستقرة في السهول الخضراء كالفور والمساليت . كنا نواجه هذه المعضلة في حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد بمؤامرة الصمت عن نقد التوجهات العولمية على مستوى الرأي العام الذي تسيطر عليه الدعاية الغربية ، كنا نعيش في حالة أشبه بالفصام السياسي ، حيث كان من أشد المؤيدين لعبدالواحد رفيق من ابناء العرب وحيد مميزاً ببشرته السمراء ؛ ربما كان التأييد في حدود معارضة نظام الخرطوم ، ولكن المعركة على الأرض كانت تتحرك بذاكرة مختلفة .
احظ أشكال التناقض في حالة البدو رعاة الإبل من الزغاوة والعرب الشمالية ؛ نجد إنه في حادثة النخيل موضوع حدث الاسبوع الجاري في جنوب دارفور ؛ أن احد المتهمين يعتبر من مجموعة السبعتاشر من ابناء الزغاوة ، الذين قاموا بتأسيس حركة تحرير السودان وهي المجموعة التي قامت بالاعتداء على بادية العرب في غرير واب سنط ، ومتهم بقتل تسعة وستين من العرب ؛ هذا الرجل الى وقت قريب كان من كبار قادة الدعم السريع ؛ تقريباً برتبة عميد او لواء ، وبالطبع الدعم السريع كان نواة تأسيسه من مليشيات العرب التي تكونت كرد فعل لمواجهة مليشيات الزغاوة !
للحقيقة إن أشكال الصراعات هذه ، تحتاج الى نوع مختلف من الحلول ، قائمة على مبدأ الحقيقة والمصالحة ؛ لأن هناك صراعات قديمة تعود إلى السطح وتطغى عليها الاعتبارات السياسية مما تزيدها تعقيداً اضافياً . ففي المسألة الوطنية في دارفور ، فإن المصالحة بمفهومها الجذري والعميق تستطيع ملامسة التقاطعات وحدود حلها ؛ ولكن كون نخبة تلك المجتمعات تصعد الى هرم السلطة عبر تسلق قضايا مجتمعاتهم ولا يجرون عمليات معالجة جزرية لمشكلات هم نشؤوا تحت ظلها وعاشوا مأسيها ، فإن ذلك سيجعلهم يدفعون الثمن مرتين وستدور عليهم الدوائر . فحميدتي الشريك السياسى لمناوي لم يجرؤ على الدفع في إتجاه الوصول لحل القضية التي ربما يكون شاهداً على تفاصيلها ؛ وهو نفسه قد تحدث أن نشأة الحركات ودخوله الى فضاء التمليش القبلي جاء رد فعل واستجابة لعمليات نهب تعرض لها ؛ والتقليد السائد في هذه الحالات أن يقوم فزع اهلي وبالضرورة فزع مسلح ؛ وهكذا تتعسكر صراعات الموارد وتتحول الى صراع بقاء . الآن على هذه المجموعات أن تتبنى حلاً حقيقاً ً يمت ويرتبط بحياة الناس بدلاً عن إتباع اسلوب صراعات الصفوة السياسية تاريخياً المنفصلة عن مجموعاتها .
نواصل …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى