أخر الأخبار

في التعقيب على رد الاستاذ عبد العزيز الحلو على مقال الأستاذة رشا عوض.

بقلم:عبدالرحمن الغالي
(1)
كنت قد وعدتُ بالتعقيب المقتضب على رد الأستاذ عبد العزيز الحلو على الأستاذة رشا عوض، وبناءً على طلب من حبيب أعزه أن يكون الرد تثقيفياً لا يقتصر على النقاط الواردة في المقال آثرت أن أتوسع شيئاً ما في الرد لتعم الفائدة لدى الأجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الأحداث ولم تجد مصادر لقراءتها.
ومع ذلك سأسعى جهدي أن يكون الرد قصيراً والنفس بارداً هادئاً، ذلك أن أحوال الوطن تتطلب تجميع أبنائه على كلمة سواء دون أن يعني ذلك التخلي عن إحقاق الحق.
(2)
ومع أن جوهر فكرة الأستاذ الحلو أن هناك أسباباً موضوعية ومظالم تدعو حركات دارفور وغيرها للتصدي لتلك المظالم لا سيما مظالم الانقاذ وعنفها إلا أن الحلو تنكّب الطريق في تشخيص تلك الأسباب وفي تحميل أشخاص لا علاقة لهم بتلك الأسباب والمظالم التي دعت الحركات لحمل السلاح، كما أخطأ باختلاق روايات من العدم لا يسندها لا المنطق ولا حقائق التاريخ المعلوم وسنرى تفصيل كل ذلك. هذا مع التنبيه على أن الأستاذة رشا لم تنكر عدالة قضايا تلك المناطق حيث ختمت مقالها بقولها: (تظل قضية الهامش عادلة ومن واجب كل الأحرار والشرفاء النضال من أجل رفع المظالم التنموية ومكافحة العنصرية والتمييز ضد اقاليمنا العزيزة غربا وشرقا وجنوبا)،
(3)
هذا وقد صبّ السيد الحلو جام غضبه على الحبيب الامام الصادق عليه شآبيب الرحمة والرضوان محملاً إياه مسؤولية ما حدث في دارفور وما حدث في تشاد، ملقياً بعدة تهم في فقرة واحدة من رده حيث قال: (في العام 1967 عُقد مؤتمر فرولينا (حركة فرولينا لتحرير تشاد) بمدينة (نيالا) السُّودانية الذي إستضافه الصادق المهدي (رئيس الوزراء آنذاك) وبتأييد د/ حسن الترابي (رئيس جبهة الميثاق الإسلامي آنذاك) وحليف حزب الأمة في الحكومة – وكلاهما حضرا المؤتمر. في ذلك المؤتمر تم وضع الإستراتيجية لإستلام السلطة من (فرانسوا تمبلباي) – المسيحي الزنجي – في تشاد بواسطة (حركة فرولينا) وتعريب تشاد ودارفور بالتزامُن مع طرح مشروع الدَّستور الإسلامي على منضدة الجمعية التأسيسية في السُّودان. وقد أسس ذلك المؤتمر لميلاد (التجمُّع العربي) بدارفور فيما بعد .)
وفي هذه الفقرة الصغيرة ارتكب الحلو ستة أخطاء وهي:
أولاً: أن مؤتمر حركة فرولينا انعقد بنيالا في يونيو 1966 قبل تولي السيد الصادق رئاسة الوزراء حيث انتُخب في 27 يوليو 1966.
ثانياً وأن حسن الترابي (وجبهته) لم يكن جزءً من الحكومة حيث تكونت الحكومة من السادة: إبراهيم المفتي وحسن عوض الله وعبد الله نقد الله وأحمد بخاري ونصر الدين السيد والشريف حسين الهندي وحمزة ميرغني وجيرفس ياك أويانو ومأمون سنادة وعز الدين السيد وأحمد إبراهيم دريج وعمر نور الدائم وأروب يور أبيك ومحمد أحمد المرضي ومحمد الحلو موسى وأحمد عبد الرحمن المهدي ومحمد خوجلي وليس فيهم أحد من جبهة الميثاق الاسلامي.
ثالثاً: أن مؤتمر فرولينا ليس له علاقة بتعريب تشاد وليس من مخرجاته تعريب تشاد وسنأتي في الجزء الثاني من هذا التعقيب على تفاصيل المسألة التشادية وخلفية الصراع التشادي ومخرجات مؤتمر نيالا. ومن المعروف أن حركة فرولينا نشأت كرد فعل لحل الرئيس التشادي تومبلباي (في سنة 1962) كل الأحزاب وحظر نشاطها وقمعه للشمال واستئثار قبيلته السارا بكل الشؤون التشادية وسنرى المكونات الاثنية لحركة فرولينا وتطور الصراع التشادي بما يعرّي كل مزاعم الحلو.
رابعاً: وأن مؤتمر فرولينا ليس له علاقة بدارفور أصلاً لا تعريبها ولا مشاكلها فهو مؤتمر للمعارضة التشادية وهي أصلاً ليست عربية كما سنرى لاحقاً.
خامساً: وأن مؤتمر فرولينا ( يونيو 1966) لم يتزامن كما ادّعى الحلو مع طرح قضية الدستور الاسلامي في الجمعية التأسيسية حيث تم الانتهاء من مقترح الدستور وأودع الجمعية التأسيسية في يناير 1968 في عهد رئاسة المحجوب الثانية للوزراء.
سادساً: وأن ما يسمى بالتجمع العربي في دارفور هو حركة أو تكوين ظهر لاحقاً في ثمانينيات القرن العشرين وليس في الفترة التي ذكرها الحلو.
(4)
الصادق ومسألة الهامش ورؤاه التقدمية:
1/ من غرائب الصدف – في الرد على الحلو- أن السيد الصادق قد ابتدر حياته السياسية برحلة لجبال النوبة امتدت لشهور ضمن رحلته لكردفان إبان مقاومة نظام عبود. ورأى بعينه أحوال الناس هناك، ولذلك عندما انتُخب رئيساً لحزب الأمة في 1964 اهتم بقضايا المناطق المهمشة حيث كتب عن أحوال الناس والخدمات المتوفرة أو الغائبة وكتب نقداً للادارة الأهلية وكيفية التعامل معها وهذا ما سيظهر في أول برامجه وأفكاره عندما يتولى المسؤولية لاحقاً. فقد أجاز مؤتمر الحزب دستور ولوائح وبرنامج الحزب (آفاق جديدة) وأجاز هياكل الحزب ومن الملفت وجود منصب مساعد السكرتير العام لشؤون المناطق المتخلفة. الذي تولاه المرحوم أحمد إبراهيم دريج والذي قدم حزب الأمة من جبهة نهضة دارفور لما لمسه من إهتمام السيد الصادق بقضايا المناطق المتخلفة واختلال التنمية.
من أهم ملامح التجديد في برنامج آفاق جديدة وفي مؤتمر الوكلاء وكتابات السيد الصادق في تلك الفترة حينها النص على ما يلي:
• الاهتمام بالأقاليم وضمان حقوقها والاهتمام بالتنمية فيها واعطائها صلاحيات ذاتية.
• وجاء برنامج آفاق جديدة الصادر في 1965م محملاً بالأفكار السياسية الجديدة: ففي موضوع انتماءات السودان جاء مفهوم أن العروبة لسان وليست عرقاً وأن الأفريقانية قارية وليست عرقاَ. وأن الاسلام لا يجب أن يحرم الآخرين حرية المعتقد ولا يميز المسلمين على غيرهم من المواطنين.
• وجاء فيه: نقد الاخطاء الشمالية تجاه الجنوب وضرورة الاعتراف بها- الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي والقبلي وبالحريات الدينية والثقافية- اعطاء الاقاليم الجنوبية الفرصة لإدارة شأنهم- اعتراف الدستور والوضع الاداري بذلك التنوع- قصر الصلاحيات المركزية على المسائل الكبرى كالدفاع والسياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية واللغة الرسمية واتاحة التصرف في غيرها من المسائل لابناء الاقليم.
• تطوير الحكم الأهلي وتنحية الأسس العصبية والوراثية وتقويمها على أسس إدارية وانتخابية.
• تحقيق النمو المتوازن بين المدن والقرى.
• وتوحيد الشعب السوداني حول هذه المبادئ (14 مبدأ).
• ثم النظر لمشكلة الجنوب على اساس أنها مشكلة سياسية ثقافية اجتماعية وليس فقط مشكلة أمنية.
2/ ولتحقيق ذلك البرنامج وتنفيذ نلك السياسات كوّن الصادق مؤتمر القوى الجديدة مع حزب سانو الجنوبي وجبهة نهضة دارفور واتحاد عام جبال النوبة ومؤتمر البجا واتحاد الفونج وجبهة الميثاق ونسبة لذلك الاهتمام انضم بعض قادة جبهة نهضة دارفور لحزب الأمة منهم المرحوم أحمد إبراهيم دريج كما مرّ آنفاً والمرحوم الدكتور علي حسن تاج الدين الذي ترقّى في حزب الأمة حتى صار الأمين العام المكلّف للحزب في الديمقراطية الثالثة وعضو مجلس رأس الدولة في نفس الفترة.
3/ والامام الصادق أول من كتب كتاباً عن مشكلة الجنوب من السياسيين حيث كتب في أبريل 1964 ( مسألة جنوب السودان) وبيّن أن المشكلة سياسية ثقافية اقتصادية ولا يمكن حلها عسكرياً.
(5)
وإذا ما عدنا لاتهامات الحلو للإمام الحبيب بتكوين التجمع العربي بدارفور حبنما كان رئيساً للوزراء وادعائه أن الصادق اعترف بتنظيم التجمع العربي في عام 1987 وأنه كان يدعم القبائل العربية إلى آخر الأقوال الجزافية فأقول:
• أقوال وخطب وكتب ومقالات ولقاءات السيد الصادق موثقة فأين اعترف بأنه كوّن التجمع العربي بدارفور؟ هذا بهتان صريح لا يليق بقائد حركة تدّعي أنها تريد خلق سودان جديد قائم على العدالة.
• أما فرية مناصرة الصادق للعرب في دارفور على حساب القبائل غير العربية فهي فرية غبية ( وهذا وصف للفرية وليس شتماً) فكيف يقسّم الصادق مجتمع دارفور وقد منحه تأييداً كاسحاً في الانتخابات حيث نال 34 دائرة من أصل 39 دائرة بالإقليم؟
• وكيف تمنح المجتمعات غير العربية إبتداءً أصواتها له إذا كان يعمل علناً ضدها؟
• والأدهى كيف يعيّن السيد الصادق حاكمين للإقليم من المكوِّن غير العربي إذا كان أصلاً يريد تهميش ذلك المكوّن؟ فقد عين الدكتورين عبد النبي على أحمد رحمه الله وهو من قبيلة البرتي، والتجاني السيسي من قبيلة الفور حاكمين للإقليم في الديمقراطية الثالثة (1986-1989).
• ولو كان يسعى لتعريب القبائل غير العربية فكيف يواجه ويرفض في 2019 تعيين الدكتور صديق تاور ( البعثي) في مجلس السيادة ممثلاً للنوبة. لم يكن الرفض لشخص الدكتور بل لأنه يتبنى فكراً عروبياً في إقليم له خصوصية ثقافية وبه أزمة وصراع تقوم إحدى أطروحاته على رفض الهيمنة العربية. اتخذ السيد الصادق ذلك الموقف الشجاع المبدئي والذي عرّضه لسفه بعض السفهاء من حزب البعث في اجتماع مشهود بدار الأمة، في حين لاذ بالصمت الذين يدّعون تأييد الهامش وحركاته المسلحة.
• بل ألا يذكر الحلو أن حزب الأمة بقيادة الصادق هو أول حزب شمالي كبير يصل لاتفاق مع الحركة الشعبية : حدث ذلك في إعلان كوكادام في مارس 1986م؟
• وأن حكومته هي أول حكومة وطنية تصل لخطوات بعيدة في السلام مع الحركة الشعبية إذ توصلت لوقف لإطلاق النار، كان سارياً حينما تم انقلاب يونيو 1989م ولتحديد موعد لانعقاد المؤتمر الدستوري وقبل ذلك توصلت لصيغة شريان الحياة.
• وحزب الأمة هو أول حزب شمالي يصل لاتفاق مع الحركة الشعبية في فبراير 1990م وبموجبه تم عرض ميثاق التجمع عليها وتم انضمامها للتجمع. واستمر التعاون المشترك داخل التجمع ثنائيا في شقدم ديسمبر 1994م وما بعدها.؟
• ثم يتهم الحلو حزب الأمة بتأسيس الجنجويد في عام 1986 وفي هذا نقول للسيد الحلو: ألا أدلّك على من أنشأ الجنجويد؟ أنشأها نظام الانقاذ . وألا أدلّك على من تولّى كبر سياسة الأرض المحروقة وتحريض وتحريك الجنجويد؟ هم جماعة ومنهم السيد أحمد هارون الذي طلبته المحكمة الجنائية والذي ظللت نائبه في ولاية جنوب كردفان.
فهل تستطيع أن تحدثنا عماذا فعلتم لدارفور وحركاتها ؟ فقد كنت في الحكومة والمحرقة مستمرة في دارفور. بل هل تعلم أن اتفاقية السلام كانت من ضمن صفقات مقايضة النظام ( أو قل استدراجه من قبل الامريكان) حيث ظن دهاقنة الانقاذ أن الغرب سيفي بوعده بالسكوت على محرقة دارفور إذا وقّعت الحكومة على اتفاقية السلام بما فيها من بنود ستفضي لفصل الجنوب عبر الاستفتاء وهذا موضوع آخر لا أود الاستفاضة فيه.
كانت العزة تأخذ حركتكم وكانت عزة موجهة لمصلحة الجنوب في تخلٍّ كامل عن الأقاليم المهمشة بما فيها الأقاليم التي قاتلت مع الحركة الشعبية وأنت تدري خذلان اتفاقية السلام للمنطقتين، أما القوى الديمقراطية فقد تم بيعها. ولكن الصادق وحزب الأمة كان يدرك عوار تلك الاتفاقية وعيوبها.
أذكر أن وفداً من حزب الأمة وقد كنتُ ضمنه مع آخرين هم المرحوم صلاح إبراهيم أحمد وعبد المحمود الحاج صالح ومريم الصادق قد قابل اللجنة السداسية المشتركة لمراجعة الدستور بين حكومة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية برئاسة عبد الباسط سبدرات وعضوية المرحوم مجذوب الخليفة ومحمد مختار من المؤتمر الوطني ومن الحركة الشعبية دينق ألور وبول ميوم وياسر عرمان، ومن المؤسف أن تصدى لنا ممثلو الحركة وقالوا ( لن نغيّر ولا شولة) من الاتفاقية وما دروا أن حزب الأمة لا يبصم وإنما يشارك ويصنع .
ونواصل في الحلقة التالية إن شاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى