أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عايشتها (٨) .

 

بقلم: منتصر ابراهيم

الدكتور شريف حرير أحد أبناء الزغاوة الأفذاذ ، أكاديمي بارع وباحث انثربولوجي رصين ؛ نذكره هنا في سياق جهده الأكاديمي والفكري في معالجة أعقد مشكلات السياسة والمجتمع في السودان ، وليس في إطار محاولته الثورية الفاشلة التي لفظته فيها تفصيلة حرب ( انقذو دارفور ) التي اقصت المتعلمين وأبقت على قادة المليشيا القبلية . عمل دكتور شريف المعنون باشكالية المليشيات القبلية أصول التفكك الوطني ؛ وهي ورقة فكرية تحليلية نافذة وناقدة ؛ استشهد بها هنا ، ومتاحة للقراء ؛ لتعضيد رأيي حول ظروف نشأة المليشيات القبلية ، التي تحولت لاحقاً الى الحركات المسلحة وبنيتها ونتيجتها النهائية .
يشير دكتور شريف إلى أن المليشيات القبلية تنفي صفتين للدولة ؛ وهي :
أن هذه المليشيات تجعل من اي فكرة عن كون الدولة عامل من عوامل التكامل في ظل المصالح الاثنية المختلفة والمتعارضة غير ذات جدوى ، وذلك يعود بشكل رئيسي الى بأن المليشيات تدين بولائها لمجموعة اثنية ما او قومية ؛ والتي تدرك أمنها السياسي والمادي بشكل مستقل عن الدولة .
والصفة الثانية التي تنفيها المليشيات القبلية هي أن لجؤ المدنيين الى العنف لحماية حياتهم وممتلكاتهم يكشف انعدام الثقة في مؤسسات الدولة مثل الشرطة والقوات المسلحة التي من المفترض أن يعهد إليها بواجب حماية الدفاع عن المواطنين وحياتهم وصيانة السلم والنظام ؛ وبالتالي بمجرد أن يتم تحدي دور الدولة كمحكم نهائي واخير للشؤون السياسية ، وهزيمة وظيفتها كمؤسسة إجتماعية مهيمنة يستثمر في داخلها الافراد والجماعات لولاءاتهم ؛ فأن شرعية هذه الدولة تصبح في خطر . فالمليشيات القبلية تأخذ القانون بيدها ، وهذا يؤشر للفوضى السياسية حيث يصبح العنف اللامركزي هو القاعدة وليس الاستثناء .
ارجو بتفكير مقارن ، اسقاط فكرة المليشيا القبلية على الثورة ، سنجدها تنفي عنها ذات الصفات للدولة ، بل وأكثر ، وبالتأكيد الوقائع امامنا تشهد وتدلل على ذلك ؛ وايضاً يمكننا استيعاب تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان التي استقلت بالجنوب ، فدخلت في حروب المصالح الاثنية المتعارضة بين النوير والدينكا ، بالرغم من أن النظرية الثورية للحركة الشعبية هي الاقدم والأكثر تماسكاً ، إلا أن ذلك لم يمنعها من الوقوع في صراعات التقاطعات الاثنية الحادة السابقة واللاحقة لصراع الجنوبيين مع الدولة المركزية ، واعني أن هناك حرب اهلية حتمية وسط الجنوبيين ، بنفس القدر وسط الدارفوريين كما اشرت في حلقة سابقة .
الفقرات من ورقة شريف حرير توضح أبعاد تكوّن المليشيات ، كظاهرة مرتبطة بالمصالح الاثنية المتعارضة وازمة التكامل الوطني وعجز الدولة عن احتكار العنف ؛ في هذه الورقة يسلط الضو على نشؤ المليشيات القبلية في فترة الحرب الأهلية في جنوب السودان ، فكانت نشأة مليشيات البقارة التبوسا والمندارى . بنفس القدر كانت الحرب الأهلية في دارفور نشأت المليشيات القبلية قبل اندلاع الحرب بصورة رسمية ؛ يمكن أن نقول ان الحرب كانت انعكاس لظاهرة المليشيات القبلية ؛ وهو ما يميزه دكتور شريف هنا بالعنف المركزي والعنف اللامركزي . لتوضيحات اكتر ؛ العنف اللامركزي في شكل صراعات قبلية سجلت دارفور اكتر من ستين حرب قبلية في الفترة ماقبل حرب ٢٠٠٣ منذ الستينات ؛ بل أن (حركة تحرير دارفور ) كان إسمها قبل أن تتحول إلى حركة تحرير السودان ، قد اجتاحت فرقان ودُمر العرب قبل أن تقتحم حامية كرنوي ومطار الفاشر معلنة تمردها على الدولة باسم حركة تحرير دارفور _ دامرة غرير وأم سيالة وابو سنط وارتكبت جرائم طبعاً لم نسمع بها ؛ هكذا كان يتحدث جبهة طلاب دارفور من ابناء القبائل العربية .
في هذه الايام ، تشهد نيالا تحركات هنا وهناك من مجموعة من العرب باسم أهل ضحايا الصحراء الكبرى منطقة النخيل ، والذين تم قتلهم ونهب إبلهم من مجموعة السبعتاشر التي كونت حركة تحرير السودان وكلهم من ابناء الزغاوة ؛ وبالطبع يأتي في سياق اعمال نهب واستهداف على أسس قبلية للعرب ؛ فبكل تأكيد للعرب مليشياتهم علي نفس النسق وقد حدثت مواجهات بين مجموعة السبعتاشر والعرب لاسترداد الإبل المنهوب في الداخل الليبي في مدينة الكُفرة ، وتلك قصة اخرى نفصلها …
نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى