الادارة الاهلية والافندية صراع البقاء(٢ – ٢)

محمد عبدالسلام

ان التطور الحقيقي للسلطة في المجتمعات السودانية لم يحدث بصورة طبيعية بل جاء المستعمر وقطع تطور هذه المجتمعات كما اسلفنا حاملاً في جعبته الدولة الحديثة لمجتمعات ما قبل الدولة ، وفي الاخر لم يكن امامه شي سوى الاستعانة بالقيادات الاهلية والقبلية المعبر الحقيقي عن تطور السلطة في هذه المجتمعات .

ظهور شريحة الافندية في بدايات القرن العشرين ومحاولتهم الحثيثة لعب دور كانت تلعبه الادارة الاهلية خلق الصراع العنيف بين الشريحتين وبالتالي جعل هناك شرخ بائن بين المجتمعات المحلية والافندية هذا الشرخ اصبح يكبر بمرور الزمن رغم تنامي شريحة الافندية مقابل ضمور الشرائح الموالية للادارة الاهلية ، و بعد صعود الافندية لسدة مؤسسة الدولة شعرت الادارة الاهلية بالخطر وقاومت ذلك بوسائلها المتعارف عليها .

الانقاذ احد تجليات عنف الافندية استفادت من قصور نظرة الافندية السابقين لهم للادارة الاهلية حيث خلق النظام علاقات ودية مع اغلب قيادات الادارة الاهلية والتي اعادت إنتاج نفسها في اجيال جديدة يمكن تسميتها(بالاهلافندية) وهم مجموعة من قيادات الادارة الاهلية التي نالت تعليم عالي وعادت تمارس سلطاتها في مجتماعاتها التقليدية وهذه الفئة تمثل اكثر من 80% من افراد الادارة الاهلية في السودان حالياً .

اثناء ثورة ديسمبر وقفت اغلبية قيادات الادارة الاهلية في صف الانقاذ ونافحوا عنها بشدة لأن معظمهم كان يظن ان سقوط الإنقاذ هو سقوط لهم اي ان الإنقاذ هي القشة التي يتمسكون بها ، على اعتبار ان الانقاذيين هم افضل السيئين من الافندية ولأن اغلب الثوار هم من الشباب المتمردين على الإرث القبلي والجهوي وهذا النوع من الناس هو العدو الاول للإدارة الاهلية .

بعد الثورة حاول المجلس العسكري تنظيمهم وجعلهم حاضنة مجتمعية بالنسبة له لكن باءت هذه المحاولة بالفشل بسبب الانهزامية التى يعيشونها بعد سقوط الانقاذ وبسبب ان الحراك الثوري كان في ذروته وبعد توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري والحرية والتغيير اصبحت الإدارات الاهلية ترى نفسها في خانة العسكر وفي عداء مع المدنيين بسبب صراعهم الأبدي مع الافندية ولم يستطع افندية الحرية والتغيير استمالتهم لهم بل تم اقصائهم من اغلب اللجان في الفترة الانتقالية وذادت الشقة بعد تكوين لجان الخدمات والتغيير بالقرى والاحياء والتي لايسمح قانونها بمشاركة أشخاص شاركوا في عهد الانقاذ فتم تكون لجان تمثل القرى والاحياء من غير مشاركة عمد وشيوخ ونظار هذه القرى والاحياء فيها فأصبح يُنظر لهم بانهم (عمد بلاء اطيان) كما ان شباب الثورة كان اكثرحدة في التعامل معهم ورفضهم ومحاربتهم لذا فإن الثورة بالنسبة لاغلب قيادات الادارة الاهلية هي عدوهم اللدود .

اغلب قيادات الادارة الاهلية حالياً يخوض معركة البقاء في صراعهم مع الافندية وهذه المعركة تجعلهم يستخدمون كل الوسائل المتاحة للحفاظ على وجودهم مالم تعي قوة الثورة والحكومة بذلك فيمكن ان يصل صراع الافندية والادارة الاهلية محطته الاخيرة وهي محطة الصدام العنيف وفي هذه الحالة فإن الخاسر الحقيقي هي والدولة السودانية اولاً والافندية ثانياً لان هذا الصراع سيتحول لصراع كل ضد كل وستنكشف عورة الافندية بإنحياز كل منهم الى مجموعته الثقافية وبالتالي إنهيار هذه الشريحة وبالطبع انهيار وتفكك الدولة السودانية اذا سألنا عن المنتصر في هذه المعركة فليس هناك اي منتصر في هذه المعركة ذات الطابع الدونكشوتي بل المنهزم هو مؤسسة الدولة الحديثة في السودان .

إن صيغة الديمقراطية السودانية التي أشرنا لها في نافلة المقال تتحدث عن تمثيل عادل في مؤسسة السلطة لكل المجموعات الثقافية بقيام مجلسين مجلس للنواب يضم النواب المنتخبين بصلاحيات تشريعية واسعة ومجلس للشيوخ يضم الادارة الاهلية بصلاحيات تشريفية مقابل ان تلعب الادارة الاهلية دورها الطبيعي من غير ان تتدخل في السياسة ودورها الطبيعي متعلق بعض النزاعات الاهلية وقضايا الارض ولعب دور الواسطات مقابل اعتراف الافندية بها كممثل طبيعي لمجتمعات عريضة في السودان ، مقابل ان تكون مؤسسة الدولة محايدة تجاه كل الثقافات وان لاينظر الافندية لانفسهم باعتبارهم المعبر عن السودانيين جميعاً في هذه الحالة ستذوب الادارة الاهلية بصورة طبيعية وتنتهي اذا كانت الدولة معبرة عن الجميع حتى لايضطر المواطنيين للاحتماء باداراتهم الاهلية ومجموعاتهم الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى