السينما السودانية في “فتيل”
عنق الزجاجة
محمد عبدالسلام
قد يستغرب البعض ان ثاني اكبر انتاج سينمائي وفيلمي على مستوى العالم بعد السينما الهندية (بوليوود) ليس في امريكا او اوربا بل في قلب افريقيا وبالتحديد في نيجريا فقضايا ﺍﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺿﺪ ﺍﻟﺴﻮﺩ
ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻷﺟﻨﺒﻰ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ا ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ في المجتمعات المحلية ،ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺒﺎﺋﺴﺔ والمنسية من الذاكرة السينمائية العالمية ﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﺳﻮﻳًﺎ ﻟﺘﺼﻨﻊ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻓﻰ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻭﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺁﺓ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻨﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺑﺪﺍﺧﻠﻪ، ﻭﻟﻔﺖ ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺷﻌﻮﺏ
ﺍﻟﻘﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﻤﺮﺍﺀ ﺃﺟﻤﻊ،و ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻰ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺃﻗﺪﺍﻡ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، “ﻧﻮﻟﻴﻮﻭﺩ ” وهو اسم السينما النيجرية حيث حازت ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ ﻛﺄﻛﺒﺮ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ من حيث الانتاج بعد السينما الهندية كما اسلفنا، ﻭﻓﻘًﺎ ﻟﺘﻘﺎﺭﻳﺮ ” ﺍﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ” ﺑﻞ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺼﺪﺭًﺍ ﻣﻬﻤًﺎ ﻓﻰﺍﻗﺘﺼﺎﺩ ﻋﻤﻼﻕ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ .
وقد تستغرب عزيري القارئ في ان هذه الصناعة العملاقة في الغرب الإفريقي قد بدأت بصورة جادة قبل ثلاثين عاماً فقط فبإنتاج ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻰ ﻣﻨﺨﻔﺾ ﻭﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻛﺎﻣﻴﺮﺍ ﺭﻗﻤﻴﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ، ﺗﺤﺮﺭ ﺍﻟﺸﺎﺏ ” ﻛﻴﻨﻴﺚ
ﻧﻴﺒﺎﻭ ” ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻥ ﺍﻟﻮﻃﻨﻰ ﺍﻟﺬﻯ ﺃﻋﻠﻦ ﻋﺎﻡ 1990 ﻭﻗﻒ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺃﻯ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﻓﻨﻰ ﻭﺇﻋﻼﻣﻰ، ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺩﻣﺞ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ، ﻣﻊ ﺧﺒﺮﺗﻪ ﺍﻟﺘﻰ ﺍﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺎﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻥ ﻟﻴﻘﺪّﻡ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭ ﻓﻴﻠﻤﻪ ﺍﻷﻭﻝ «living in bondage» ﺍﻟﺬﻯ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻸﻓﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ، ﺗﻨﺘﺞ ﻧﺤﻮ 2500 ﻓﻴﻠﻢ ﺳﻨﻮﻳًﺎ، ﻭﺗﻀﺦ ﻧﺤﻮ 3 ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺩﻭﻻﺭ في خزينة الدولة الافريقية الكثيفة السكان .
اذا ما قارنا التجربة النيجيرية بتجربتنا السينمائية فنلاحظ اننا قد بدأنا الانتاج السينمائي باكراً ولكن لم تبارح سينمتنا مكانها لموانع شتى جميعها لديها علاقة بالمكبلات السياسية والايدلوجية وقليلاً من القيود الاجتماعية وإذا كانت حكومة الجبهة الإسلامية عملت طِوال الثلاثين عاماً الماضية على محاربة السينما بصورة ممنهجة لاسباب ايدلوجية فالمطلوب من حكومة الثورة إعادة الاعتبار لهذه الصناعة بالبلاد لما عانته في الفترة السابقة بوضع خطة واضحة تسعى لوضع السودان في الخارطة السينمائية في إفريقيا والعالم وتهتدي هذه الخطة بهدي السينما النيجرية التي وصلت لهذه المكانة في وقت وجيز نحتاج اولاً لفتح دور العرض المغلقة قسرياً لثلاثة عقود مضت ومن ثم بذل ميزانية سخية لانتاج افلام ذات قيمة جيدة حتي تحقق هدفها التجاري وتمثل السودان في مهرجانات السينما العالمية وكذلك تشجيع السينمائيين السودانيين عبر عرض انتاجهم الذي تم انجازه بإجتهادات فردية فمثلاً يبدو محيراً ان فيلماً مثل “ستموت في العشرين” لامجد ابوالعلا رغم حصده لعديد الجوائر في مهرجانات شتى وتمثيله للسودان خير تمثيل ولكن الفيلم الطويل الاول للمخرج الشاب لم يعرض حتى الان داخل البلاد ولم يره الجمهور السوداني مطلقاً ، وهذا بطبيعة الحال يوضح مدى إهمال الرسميين وخصوصاً وزارة الثقافة للسينما مما يفاقم من إحباط السينمائيين السودانيين ويذيد من ازمة السينما بالبلاد ، ورغم ان السينما المستقلة السودانية في السنوات الماضية استطاعت ان تُحدث إختراقات مميزة ولكن مازال الدور الرسمي معدوماً على الرغم ان هذه الحكومة هي حكومة ثورة الشعب السوداني التي يفترض ان تسلك مسلكاً مغايراً لمسالك من كانوا في الحكم قبلاً ولكن لم يلحظ السينمائيين اي تغيير طرأ على رؤية الدولة للسينما رغم المناشدات المتكررة للوزير السابق فيصل محمد صالح بإنشاء قسم للسينما في وزارة الثقافة وكذلك الوزير الحالي ، ورغم كثرة المداد الذي تم سكبه في هذا الخصوص ولكن هذه المناشدات ضاعت هباءً منثورة اوكما جاء في بيت الشعر المأثور لقد بلغت لو اسمعت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي.