أخر الأخبار

قصتي مع الدعم السريع (٥)

 

بقلم:منتصر ابراهيم الزين

 

ما اكتبه الآن ، هي مجرد قصة ؛ وصحيح أن القصص نفسها تخدم أغراض وأهداف ، منها تخيًْل سياق القصة وابعادها في الحياة الواقعية ؛ لكن بالطبع لن يكون من اهدافها كشف الاسرار ، او التعريض بالناس ؛ هذا ما يجب فهمه بكل وضوح .

هذه القصة التي نحكيها ، تعني لي الكثير ، فقد تعلمت فى الفترة الوجيزة التي مررت بها ، بالدخول في عالم السياسة الواقعية ؛ كيف تجري الأمور ، وكيف يتصرف الناس في الواقع ، وكيف ينظرون إلي بعضهم البعض ؛ خصوصاً وقد ارتبطت فكرة الدعم السريع وحميدتي ، بالمال ؛ وأظن أنه ستظل هذه الحِقبة علامة فارقة ، في السياسة السودانية ، كحقل لتجربة تأثير سوق المال السياسي ؛ صحيح هي امتداد ، لسياسات العهد البائد ، والتحولات الكبيرة في المجتمع السوداني ؛ لكن سيظل السؤال الأهم منتصباً ، في وجه الحياة السياسية ؛ وهو هل ساهم حميدتي في إفساد الحياة السياسية بالمال ؟!!!

وقبل ذلك ، هل المال ، تفسد السياسة ، أم أن السياسة ، في الأصل ، هي مال ؟!!!

ربما تبدو تساؤلاتي ساذجة ، بعض الشي ؛ فالمال ، كما يقال ، هو عصب الحياة ، وبالطبع ليس من المتوقع من حميدتي ، أن يأتي بنظرية في السياسة مثلاً ، غير المال ؛ والقوة العسكرية طبعاً ، والقوة مال بطبيعة الحال ؛ لنجعل مقاربة المال والسياسة ، اقرب للفهم ؛ مثلاً ، لكي يعلن ( ابو الخرطوم _ المك عجيب مك الجموعية ) فض ارتباطه بحميدتي ، أعلن ذلك عبر أكثر العبارات طرافة التي أثارت جدلاً وضحك ، حينما قال : عندك بطرفنا ( بُوكسي ) تعال شيلو 😂 ، وبذلك يكون قد وضع حداً نهائياً للعلاقة بينهم ، كإرجاع الهدايا بين العشاق زمان ، وقد ذكرتني ، هذه الخطوة ، بموقف شبيه ، حينما قررت أنا، إرجاع سيارة كوريلا منحني لها القوني كنت اقودها ؛ بالرغم من إختلاف التجربتين ، إذ أن بوكسي المك عجيب ، ربما كانت رشوة سياسية ؛ بعد أن ضمن بديلاً لها ، قام بإعلان ارجاعها ضمن مجال التنافس السياسي الجاري الآن ؛ بينما تعني لي إرجاع الكوريلا من وجهة نظري ، تعبير عن مفهوم ( الاتساق مع الذات ) في اكثر من وجهة ، حيث كنت بيني وبين نفسي ، أعاني من حالة تيه عجيب ، بعد أن دخلت معاينة لوظيفة سبق أن اشرت لها ؛ ليس لأنها لا تناسبني فقط ، ولكن لأن ماكنت ، أفكر فيه ، وما كنت أسوق الجدل بشأنه هنا ، وكتبت عنه ؛ كان يبدو وكأنه خيالات ، نظراً لمفارقته للواقع من اكثر من ناحية . ولعله هنا ، تأتي مناسبة أخرى ، لترجمة مبدأ ومفهوم الاتساق مع الذات الذي ، اسعي إلي ، تأكيده كل يوم في كل مواقفي ؛ أذكر أنه ، بعد كتابتي مرة ، عن المعاينة التي أجراها لي مرتزقة روس ، في شركة أمنية ، اتحفظ عن ذكرها ؛ جرت معي ، جاءتني أكثر من دعوة ، من سفارات أوروبية ، للحديث حول الموضوع ، رفضت ؛ وماذلك إلا من حيث مبدأ أصيل ، وهو أنني لو فعلت ذلك ، فأنها تُعد جريمة وخيانة وتخابر ، في نفس الوقت ، بكل الأعراف والقوانين ؛ كما وإنه لا يجب أن أفعل ذلك ، لأنه هو الموقف الوطني السليم ، والأكثر أصالة ، وهو ما يجب أن يقتدي به ، اي سياسي أو ناشط او صحفي ؛ ومبدئي في ذلك ، نابع من حقيقة أن اكثر ما أضر ، بحياتنا ، وساهم في التفكك والتشرزم ، هو عدم وضع الحدود ، الاخلاقية ، والسياسية في سلوكنا السياسي .

للحقيقة ، ولكوني شخصياً ، سبق وأن اعلنت في هذه الصفحة ، رفض دعوة السفارة البريطانية ؛ ونحن في أشد حالة عدائنا مع المؤتمر الوطني ، نفسه ؛ في الوقت الذي كان جهاز أمن النظام ، يمكن أن يقتلنا تحت اي لحظة ؛ لكن رغماً عن ذلك ، كنت أقول ، أن الاتساق مع الذات ، يستلزم ، وضع حد ، بين السياسة والخيانة الوطنية ، والفصل بين ما يحولنا ، لجواسيس ومخبرين ، وما بين ما يخدم قضايانا . ذكرت هذه القصة ، للتباهي والشعور بالفخر ، تجاه نفسي ، بكوني كاتم وأمين تجاه الاسرار ، مما يعزز قناعتي ، بانني لطالما ظللت متسقاً مع ذاتي ؛ فانا منتصر لا محالة ، في اي معركة حتى الموت ، لذلك لا أخاف أن اقول ما أريد في العلن ، ولطالما ، هزمت غريزة الطمع في المال والسيارات ، فلا بد أن ذلك ، كفيل بهزيمة الخوف ؛ فالخوف والطمع صنوان .

أشعر بالزهو ، ونحن نعيش في واقع متناقض بشكل رهيب ؛ إذ بينما كنت اتعرض للمزايدة ، بسبب موقفي تجاه الدعم السريع ، من ناس ، من واقع ممارساتهم اليومية ؛ هم عملاء ، يمارسون وظيفة المخبرين كنمط حياة ، ومظهر ( بريستيج ) ، ظللت أسجل موقف وراء موقف ؛ لتأكيد مبدأ الاتساق مع الذات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى