أخر الأخبار

عامان على إتفاق جوبا ومناوي حاكما على إقليم دارفور.

المهجرون في الأرض .. النزوح إلى السجون الاضطرارية!!

 

الخرطوم – عبدالرحمن العاجب

 

بمجرد أن تطأ قدماك أحدى معسكرات النازحين بإقليم دارفور، ومنذ الوهلة الأولى، تتراءى علامات البؤس ومسحة التعب والمعاناة على الوجوه، عطفاً على صراع سياسي، لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ظل جل هؤلاء النازحين يقبعون خلف السجون الاضطرارية التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، لعقدين من الزمان ظل نقص الغذاء والمياه النظيفة والصحة سمة ملازمة لحياتهم.

 

مآسي الماضي ومعاناة الحاضر:

 

مشهد حزين تظلله مآسي الماضي ومعاناة الحاضر.. عدد النازحين يناهز الثلاثة مليون .. الإحصائيات الرسمية تتحدث عن أكثر من مليون وثمانمائة وسبعة وخمسين نازحا تقريباً، المعاناة تجاوزت حدود الوطن وعبرت إلى الجوار.. تشاد على سبيل المثال تستضيف ما يربو عن السبعمائة ألف لاجئ سوداني ممن شردتهم حروب الإقليم المنكوب، هؤلاء لا تختلف أوضاعهم كثيراً عن رصفائهم بالداخل، مشهد المعاناة الحقيقية التي لازالت مستمرة رسمه عدد من النازحين الذين تحدثوا لـ(الجريدة) وكشفوا في حديثهم عن واقع بائس بمعسكرات النازحين بدارفور.

 

الأرقام تحكي عن نفسها:

 

معسكرات النازحين بولايات دارفور الخمس بلغ عددها حوالي (51) معسكراً، وتعتبر ولاية شرق دارفور من أكثر الولايات قلة في عدد معسكرات النازحين، إذ يوجد بها معسكر واحد للنازحين؛ اسمه معسكر (النيم)، ويقع بالقرب من مدينة الضعين حاضرة الولاية، ويأوي حوالي (100) ألف نازح تقريباً. تليها ولاية شمال دارفور التي توجد بها خمسة معسكرات؛ ثلاثة منها حول (الفاشر)، حاضرة الولاية، وهي معسكرات (أبوشوك)، (زمزم) و(السلام)، إلى جانب معسكري (كساب) و(فتابرنوا) بمحلية كتم.

 

بالنسبة لولاية غرب دارفور فتأتي في المرتبة الثالثة، وتوجد بها تسعة معسكرات للنازحين، هي (أردمتا)، (كريدينق-1)، (كريدينق-2)، (الجامعة)، (الرياض)، (برتي)، (الحجاج)، (أبو ذر) و(السلطان)، فيما تأتي ولاية جنوب دارفور في المرتبة الرابعة من حيث عدد معسكرات النازحين وبها عشرة معسكرات هي (كلمة)، (عطاش)، (السلام)، (دريج)، (سكلي) و(موسى)، وجميع تلك المعسكرات تقع حول مدينة (نيالا) حاضرة ولاية جنوب دارفور، وتحيطها في شكل حزام دائري، ويضاف إليها كل من معسكر (كاس) بمحلية كاس، ومعسكر (مرشينج) بمحلية مرشينج، ومعسكر (شعيرية) بمحلية شعيرية، ومعسكر (مهاجرية) الذي يقع بالقرب من منطقة مهاجرية.

 

اكتظاظ وانتشار واسع:

 

وبحسب إحصائيات برنامج الغذاء العالمي، فإن ولاية وسط دارفور تعد الأكثر اكتظاظا بمعسكرات النزوح من بين ولايات دارفور الخمس، وتضم (21) معسكرا للنازحين بها حوالي أكثر من (367368) نازحا، وتحتضن مدينة (زالنجي) حاضرة ولاية وسط دارفور، وحدها أربعة معسكرات للنازحين هي (الحميدية)، (الحصاحيصا)، (خمسة دقائق) و(طيبة السلام)، فيما تضم محلية أزوم معسكري (رمنتاس) و(الشباب)، وتضم محلية وادي صالح كل من معسكرات (جدة)، (عرديبة)، (الجبلين)، (السلام)، (دليج) و(أم خير)، فيما تضم محلية مكجر معسكر (مكجر)، وتضم محلية أم دخن معسكر (أم دخن)، ويوجد بمحلية نرتتي معسكران هما (نرتتي جنوب) و(معسكر اشترينا)، وفي محلية بندسي يوجد معسكران هما (بندسي شمال) و(بندسي جنوب). وبخلاف هذه المعسكرات توجد معسكرات أخرى صغيرة داخل المدن الكبيرة، أصبحت بطول الفترة الزمنية جزءاً من أحياء تلك المدن.

 

فشل أبوجا والدوحة:

 

وفشلت إتفاقية أبوجا الموقعة بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي في معالجة قضايا النازحين واللاجئين، وطوال عمر الاتفاقية الذي بلغ خمسة سنوات فشلت مؤسسات السلطة الانتقالية لولايات دارفور برئاسة مني أركو مناوي والمفوضيات والصناديق التابعة لها في تحقيق شيئا يذكر للنازحين واللاجئين إلى أن انتهى أجل السلطة الانتقالية وعاد مناوي للتمرد مرة أخرى، وقبل انتهاء أجل إتفاقية أبوجا دخلت الحكومة السودانية في مارسون تفاوضي توجته بتوقيع إتفاقية الدوحة لسلام دارفور والذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة برئاسة الدكتور التجاني سيسي في عام 201‪1م وبالنسبة لبعض المتابعين والمهتمين بالشأن الدارفوري فإن تجربة إتفاقية الدوحة نجحت في تقديم بعض المشروعات التنموية ولكنها بالنسبة لهم دون الطموح، فيما فشلت هي الأخرى في تقديم نجاح يذكر في ملف النازحين واللاجئين.

 

جوبا على الخط:

 

في الثالث من أكتوبر عام ٢٠٢٠م تم توقيع إتفاقية جوبا للسلام في السودان بين حكومة الفترة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، وضمت إتفاقية جوبا عدد من البرتكولات من بينها برتكول قضايا النازحين واللاجئين والذي أكد فيه الطرفان التزامها بالعمل الجاد على عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، ولكن بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاقية جوبا للسلام لازال حال النازحين واللاجئين كما هو بل وازداد عددهم ومعاناتهم بسبب تجدد الصراعات في الإقليم.

 

وبحسب ما نصت إتفاقية جوبا فإن الطرفان الحكومة وحركات الكفاح المسلح اتفقا في مسار دارفور على إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين خلال (٦٠) يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق لتشرف تلك المفوضية على عمليات العودة الطوعية وإعادة التوطين وإدارتها وتسييرها وذلك بمساعدة المجتمع الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية الأخرى ذات الصلة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق جوبا للسلام وتعيين مناوي حاكما على إقليم دارفور لم يتم حتى الآن إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين.

 

التعويضات وجبر الضرر:

 

وبالنسبة للنازحين واللاجئين معلوم أنهم من أكثر الفئات التي تضررت من النزاع في دارفور، ولذلك من الطبيعي ومن حقهم الحصول على تعويضات وجبر ضرر مرضي لهم ولاسرهم، ولتحقيق هذا الهدف أتفق الطرفان في اتفاقية جوبا على إنشاء صندوق التعويضات وجبر الضرر في دارفور خلال (٩٠) يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق لاستلام ومعالجة قرارات التعويض وجبر الضرر الصادرة من الجهات ذات الصلة، ولكن بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق جوبا للسلام وحتى الآن لم يتم إنشاء صندوق التعويضات وجبر الضرر.

 

تجدد النزاع الأهلي:

 

وتسبب النزاع الأهلي الذي وقع في مناطق واسعة بالسودان خلال العام 2022 في مقتل 991 شخصًا ونزوح 310 ألف آخرين، وكثيراً ما تندلع أعمال العنف القبلي في السودان، بسبب الصراع حول الأرض التي لا يُنظر إليها كفائدة اقتصادية تتمثل في الزراعة والرعي فقط، بل كذلك كمساحة نفوذ سياسي يتعلق بالسُّلطة المحلية.

 

وفي التاسع عشر من يناير الجاري نشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) تحديثًا عن الوضع الإنساني في السودان عن شهر ديسمبر المنصرم، وقال التحديث، الذي اطلعت عليه (الجريدة) إنه (منذ بداية 2022، نزح حوالي 310.300 شخص حديثًا بسبب الصراع والعنف الذي تسبب في مقتل 991 فردًا وإصابة 1.173 آخرين) وأشار إلى أن أغلب النازحين من النيل الأزرق وبلغ عددهم 127 ألف شخص.

 

إزدياد النزوح بدارفور:

 

وبحسب (اوتشا) فإن ولاية غرب دارفور نزح منها 93 ألف فرد ومن جنوب دارفور 33 ألف نسمة، إما البقية فهم من ولايتي غرب كردفان وشمال دارفور. وبذلك ارتفع عدد النازحين إلى 3.8 مليون شخصًا 28% منهم تستضيفهم ولاية جنوب دارفور، حيث يظل النزاع المسلح والعنف مسؤولا عن 85% من أسباب النزوح.

 

وأفاد المكتب الأممي بأن العام 2022 شهد 370 حادثًا أمنيًا بسبب النزاع الأهلي والهجمات المسلحة، بما في ذلك 60 حادثًا في ديسمبر الفائت، فيما أدى بطء وعدم التدخل الأمني الفوري في توسع نطاق الصراع القبلي، وحوله في معظم الحالات إلى صراع مميت، ويعزى ذلك إلى الفراغ الدستوري والتنفيذي الذي تعيشه البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021م فيما وقعت أعمال العنف القبلي خلال العام 2022 في ولايات دارفور وغرب كردفان وإقليم النيل الأزرق.

 

مخاطر حماية المدنيين:

 

وتقول الأمم المتحدة إن 15.8 مليون شخص ــ حوالي ثلث السُّكان ــ بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2023 نتيجة للنزاع وزيادة مخاطر حماية المدنيين والتدهور الاقتصادي والأخطار الطبيعية واستمرار تفشي الأمراض، ويأمل شركاء الأمم المتحدة الإنسانيون في حصولهم على تمويل يُقدر بـ 1.7 مليار دولار، لتلبية احتياجات 12.5 مليونًا من الأشخاص الأكثر ضعفًا في السودان.

 

ولكن بعد مرور عامين على إتفاق جوبا وتعيين مناوي حاكما على إقليم دارفور.. يؤكد الواقع انه لازال النازحين واللاجئين في إزدياد ويقبعون في السجون الاضطرارية.. وهو الأمر الذي يحتم على المسئولين القيام بدورهم في اعادة المهجرون في الأرض إلى مناطقهم التي نزحوا منها وبشكل عاجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى