رسالة في بريد الحاكم مناوي … محمد مصطفى الزاكي

صدى الواقع

محمد مصطفى الزاكي

رسالة في بريد الحاكم مناوي

أستاذ محمد لدي رسالة، أريدك أن توصلها للسيد مني آركو حاكم الإقليم،أكتب مقالاً وقل فيه: أن الحكم أمانة ومسؤولية ، والحاكم خادم للبعيد قبل القريب، وأنه سوف يخسر رضا الناس والرَّبُ، لو شغلته خطب النفاق، وحفلات الاستعراض، وموائد النخب، عن هموم شعب الإقليم في البوادي والأرياف النائية.
أحكي له فصلاً من المآسي، يعيشُها أهالي بندسي، المنطقة التي لم يتردد اسمها في تلكم القاعات الفاخرة، مكان مناقشة الخطط ومشروعات الإقليم، هي مدينةٌ صغيرةٌ بحجم إحدى أحياء الفاشر، تجدها على الخارطة، تتحكرُ أقصى الجنوب الغربي من عاصمة ولاية دارفور الوسطى زالنجي!، سكانها يتجاوزون عداً،الرقم(٢٧٠) ألف نسمة، حسب إحصائيات منظمة محلية أعدتها قبل ثلاث سنوات، كل هذا الرقم الكبير يتلقى المرضى علاجهم، في مركز صحي لم يتجاوز كوادره، طبيباً عمومياً يعاونه عدد قليل من المساعدين، ومخازن الدواء خاوية، حتى من أدوية الإنقاذ الاسعافية!، وصندوق التأمين الصحي فارغ، من الكوادر والمعدات والدواء!ّ.
الناس هنا فقدوا الثقة في حكامهم، لكنّي لا زلت أعشم فيك يا مناوي، بأن تكون مختلف!، وتُوْلِي إهتماماً لقضايا الناس هنا في نواحي إقليمك الجنوبي.
فصلُ الخريف يحبس أهالي بندس، ومكجر وأم دخن، في سجنٍ إجباري لأشهرٍ، يقفل خلالها المداخل والمخارج بالوحل اللذج، ومياه الأمطار التي تغمر الطرق وتحوِّلها لوديانٍ ومجارٍ، يصعب إختراقها لبر الأمان، إلا بشقِّ الأنفس.
سكان هذه المناطق لا يستخدمون الهواتف الذكية إلا لألعابها الإلكترونية، ذلك لأن شبكات الإتصال قد حبست عنهم الخدمات مُتَعَمِّدَة، وبالكاد توفر لهم الاتصال أحياناً، وسرعان ما تقطعه عنهم لتغيبهم عن العالم.
أحكي لمناوي عن معاناة مرضى الكُلَى والسُكَّرِي والرطوبة والقاوت والغضروف، وغيرها من متلازمات تقدم السِّن، الذين يتعذبون حتى الموت، بفعل إنعدام الطبيب المعالج والدواء ، يبقى المريض يتمرغ على فراشه، يَئِنُّ حتى توافيه المنيةُ، أو يسعفهُ أهله إن استطاعوا، بدفع أُجْرَة السيارة، مبلغٌ يتجاوز في الكثير ال(٤٠٠) ألف جنيه، لنقله إلى أقرب المستشفيات التي بها كوادرٌ ومعدات وعلاج، (قارسيلا ستون كيلومتراً أو زالنجي مائة وخمسون كيلومتر، أو نيالا أكثر من ثلاثمائة كيلومتر) لتلقي العلاج والعناية، لأن المدينة لا توجد بها عربة إسعاف!.
النساء الحُمل هنا يَمُتْنَ أثناء الولادة، بواقع مَيِّتَة على رأس كل أسبوع، والأطفالُ كذلك تقتلهم الملاريا، والأنيميا والإلتهابات والإسهالات، والمنظمات هنا خدماتها لا تتجاوز حدود التوعية الصحية، وتوفير المعلومات الأولية، وتقديم مواد التغذية للأطفال والنساء الحُمَّلْ.
بندسي محلية تجاور دولة تشاد من الغرب، وكل سكان الحدود يتلقون العلاج في مركزها الصحي، بجانب سكان محليات مكجر، ووادي صالح، وأم دخن المجاورين لبندسي، والعدد يرتفع لسقف الأربعمائة ألف نسمة، يستحقون مستشفى بمواصفات تستجيب لإحتياجات المرضى، مستشفى معد بكوادر ومعدات ومعامل وعنابر عمليات، تسعف بها أولئك النسوة الحُمَّلْ والأطفال الأبرياء والعجزة، وتضيف على رصيدك يا مناوي أجراً وسمعة.
تلك هي رسالتي التي أردت أن تلقى في بريد الحاكم ولك الشكر.
من الكاتب: عزيزي مناوي هذه روشتة وضعتها على طاولتك في إنتظار صرف الدواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى