(الفكي علي الميراوي)… السودان وجدل الهوية ..!

بقلم : إبراهيم عربي

تعددت الروايات وتباينت الآراء وإختلفت وجهات النظر جدلا بشأن التاريخ وهوية أهل السودان ، فأصبح تاريخ البلاد مشوه وموسوم بالجدل والمغالطات ، فيما ظللت مع غيري كثر ندعو ومنذ وقت مبكر لإعادة كتابة تاريخ السودان بأقلام ورواية أهله ، ولكنها دعوة لم تجد قلبا مفتوحا ولا أذنا صاغية رغم أهميتها وموضوعيتها ، شكرا الدكتور حامد البشير والي جنوب كردفان لمبادرتك التي أثلجت صدورنا بتبنيكم إعادة كتابة تاريخ جنوب كردفان / جبال النوبة ولتصحيح تلكم المغالطات التي لازمت عدد من الشخصيات وعلي رأسهم سيرة البطل الفكي علي الميراوي ليصبح منطلقا لإعادة كتابة تاريخ السودان بأقلام ورواية أهله من صدور الرجال والكنداكات .
الواقع أن الشعوب قد توحدت من حولنا فتكاتفت واستقرت وكتبت تاريخها وحددت دساتيرها وسنت قوانينها وتشريعاتها الوطنية الخاصة بها حيث تواثقت مجتمعاتها عليها ، فنمت وتطورت وارتقت مراتب الأمم ، غير أن الواقع أن بلادنا قد تقهقرت فارتدت فتذيلت ركب الأمم ، رغم ريادتها ومرور أكثر من (65) عاما علي إستقلالها ، ورغم التنوع والتعدد القبلي والإثني الثر ، ولكن مع الأسف لا زلنا رغم كل ذلك عند ذات محطة الدونية والتبعية وجدل الهوية السودانية مابين الإنتماء ل(العروبية والآفريكانية) ، فلماذا لا نجعل (السوداناوية) هويتنا سبيلا للدعوة للتوحد والتسامح والتعايش المجتمعي بعدالة ومساواة ؟!.
بلا شك أن المستعمر قد لعب دورا بارزا فيما نحن فيه الآن ولكنها ليست شماعة صالحة لنعلق عليها كل فشلنا الذي جاء علي مستوي وتعدد الحكومات الوطنية المتعاقبة ، فقد فشلت دون الفكاك من تلكم المحددات والمهددات التي إخطتها الإستعمار البغيض ، رغم ثورات التحرر الوطني التي إنطلقت باكرا فتوجتها المهدية بطرد المستعمر وتحرير البلاد من براثن تلكم الحقبة المظلمة ،ولكن مع الأسف عاد المستعمر الكرة من جديد بمنهج وإستراتيجية جديدة أعانها عليه نفر من بنو جلدتنا ليحكم قبضته لتنفيذ أجندته في عزل السودان الوطن دون ترابط أجزائه مع بزوغ فجر ثورات التحرر الوطني التي إنطلقت في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق والشرق والوسط وغيرها .
كانت ثورة البطل الفكي علي الميراوي (1914 – 1927) في جنوب كردفان / جبال النوبة واحدة من بين عدد من تلكم الثورات التحررية (السلطان عجبنا ، المك آدم أم دبالو ، ثورات تلودي ، المك دارجول ، المك رحال ، كوكو كوباقو وغيرها) التي إنطلقت بسبب صلف المستعمر وجبروته في جمع الأتاوات لا سيما (الدقنية) وقد لجأ المستعمر لسن قانون المناطق المقفولة (الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان) في الفترة مابين (1922 – 1946) لتمرير أجندته بالعزلة الكاملة والدعوة للتبشير والتمدد الكنسي في هذه المناطق .
لبيت الدعوة أمس الأول السبت 28 أغسطس 2021 بقاعة الصداقة بالخرطوم للإحتفال لأول مرة بذكري ثورة البطل المناضل الفكي علي الميراوي بعد مرور أكثر من مائة عام ، ولم أندهش للحضور الكبير والمتفرد لأحفاد ميري الذين قذفت بهم الحرب إلي الخرطوم وهم أهل إرث وإنتاج وثروة لازالت تختزنها جنوب كردفان / جبال النوبة كنوزا في باطنها وعلي ظهرها وحسنا أن نجحت اللجنة المكلفة بالعودة الطوعية في مساعيها الأولية وأعتقد سيكون للإحتفال هناك بأرض ميري في إكتوبر المقبل تزامنا مع أعياد الحصاد فرصة للجميع إذ يعانق فيها التاريخ الماضي بالواقع استشراقا للمستقبل ، والشكر أجزله للجنرال ياسر العطا عضو مجلس السيادة الإنتقالي راعي الإحتفال لتوجيهه وزارة الثقافة والإعلام توثيق مجاهدات أبطال السودان علي مر التاريخ والدعوة لأن تصبح السوداناوية هوية لكافة أهل السودان .
جئت الإحتفال وفي ذهني العديد من الأسئلة والغموض والمغالطات التي لازمت سيرة البطل الفكي علي الميراوي من هو ومن أين جاء ؟ شكرا للباحث في الثقافة والتراث الدكتور قندول إبراهيم قندول كاتب السيرة التاريخية للمحتفي به (الفكي علي الميراوي) ويعتبر أول كتاب من نوعه ، وقد حسم الباحث أمر تعدد الروايات وتباينها وتناقضاتها بشأن سيرة البطل حتي في داخل إمارة ميري نفسها وتعود بي الذاكرة للعام 2014 وكنت وقتها حضورا في مناسبة بداخل دار الإمارة بكادقلي حيث تفاجأت برواية الأسرة عن سيرة سلفها البطل السوداني الفكي علي ألمي الميراوي أن أصوله من غرب أفريقيا منحدرا من أسرة (ما سنق) وقد جاءت بشجرة نسب تؤكد ذلك ، وتفاجأت أيضا بالرواية المتداولة حول لقب (ألمي) ، غير أن الباحث قندول حسم في كتابه هذا الجدل مؤكدا نسب الفكي علي الميراوي لقبيلة ميري ومن أسرة ميراوية الأصل مثلما الحال للبطل علي عبد اللطيف ويوسف كوة مكي وآخرين ، قال أن الميراوي تنقل منذ الصغر كثيرا لتعلم القرآن وعلومه ومنها جاء لقب (الفكي) أو الفقيه .
غير أن جدل الهوية السوداناوية لازال يراوح مكانه وتظل مطلبا ثابتا ومتفق عليه من قبل أهل السودان جميعهم لحسم جدل الإنتماء ، ولسنا مع القبيلة ولا ندعو لقبلنة المجتمع ولكنها تظل وسيلة للتعارف وليست مبتغى يسعي إليها في حد ذاتها دعوة للتفاخر ، وبالتالي لا ملجأ لاهل السودان إلا القبول بالآخر وسرج ظهر السوداناوية ، وقد سعي لها وتنادي بها الفكي علي الميراوي في الإنفتاح علي الآخر وتصاهراته المتعددة مع شتي القبائل ومختلف الإثنيات والتي تبرز قوميته فضلا عن تحالفاته التاريخه القومية في الفترة مابين (1866 – 1936) ، فالحديث عن تاريخ البطل الفكي علي الميراوي لا ينفصل عن تاريخ ومجاهدات الأبطال في جبال النوبة / جنوب كردفان وفي جنوب السودان ودارفور وكردفان والشرق والوسط والشمال .
الرادار .. الإثنين 30 أغسطس 2021 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى