أخر الأخبار

استقلال السودان عن المحاور الدولية،تمتحن

 

 

بقلم :عبدالله رزق ابوسيمازه

 

(1)

حسب ماهو معلن رسميا ،فان زيارة وزير الخارجية الروسي،سيرجي لافروف، للسودان،يومي الاربعاء والخميس، ولقاءاته مع المسؤولين في الخرطوم،تستهدف بحث القضايا الثنائية والاقليمية والدولية، ذات الاهتمام المشترك.ويمكن في ملف القضايا الثنائية الاشارة لقضية علاقة السودان بشركة فاغنر الامنية ،وقضية تصدير وتهريب الذهب لروسيا،والتوسط لاطلاق سراح ثلاثة من الروس تم القبض عليهم مؤخرا في عطبرة بتهمة الشروع في تهريب ذهب.بجانب قضية القاعدة العسكرية على البحر الاحمر في اطار مشروع اتفاق امني اوسع.

كما يمكن تقدير ان ملف القضايا الاقليمية،تتصدره الاوضاع المأزومة في تشاد وافريقيا الوسطى، وعلاقة السودان بازمات البلدين الجارين. ويشكل موقف السودان الرسمي من الحرب في اوكرانيا،قضية مهمة ،ايضا، لتجد نفسها في جدول الاعمال،ضمن ملف القضايا الدولية.

قد تعكس زيارة لافروف،احد ابرز مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاهمية الاستثنائية والمكانة المميزة، التي اصبح يتمتع بها السودان،(بما في ذلك وقوعه بين قطبي الرحى).لكن الزيارة،مع ذلك،تتم والسودان في اسوا حالاته،حيث يفتقر للادارة الحكومية الفاعلة ،مما اوجد فراغا في السلطه تشغله الفوضى،مثلما يشهد ،في الوقت نفسه،انهيارا للدولة،،ربما كان ذلك حافزا للتكالب الدولي الجاري من اجل التاثير على تطور الوضع الداخلي للبلاد، واعادة تشكيله.

زيارة لافروف للسودان، ضمن جولة تشمل العراق ومالي وموريتانيا،هي حلقة من سلسلة من التحركات، الاقليمية والدولية، النشطة،كان السودان -مرات- احد محطاتها، شملت، حتي الان،زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية،انطوني بلينكن لمصر واسرائيل ورام الله،ورئيس تشاد الانتقالي،محمد كاكا،لاسرائيل،وزيارة الفريق اول عبدالفتاح البرهان،رئيس المجلس السيادي الانتقالي،ونائبه الاول محمد حمدان دقلو،حميدتي،لتشاد،وزيارة البابا فرانسوا لجنوب السودان،بعد توقف في الكونغو ،حيث ندد بما اسماه الامبريالية الاقتصادية وزيارة ايلي كوهين للخرطوم.يمكن النظر لجولة لافروف كرد على جولة بلينكن،في سياق التنافس على كسب التاييد ،واشتداد حدة الاستقطاب والاستقطاب المضاد ،حول الموقف من الحرب في اوكرانيا.وبالمثل،يمكن التقرير بان زيارة ستة من المبعوثين الغربيين للخرطوم،امريكي وخمسة اوروبيين،والتي تم الاعلان عنها بنحو مفاجيء،لتتزامن مع زيارة لافروف في السودان،وتستغرق نفس المدة، لا تقتصر عند حد الرد على زيارة المسؤول الروسي الكبير وانما تتعدى ذلك لمسعى لافشال الزيارة ،بارباك المسؤولين السودانيين،واشغالهم،وربما الضغط عليهم، والحيلولة بينهم وبين اي اتفاق محتمل مع لافروف،لاسيما ان القضايا التي سيبحثها لافروف في الخرطوم ذات حساسية عالية بالنسبة للغرب،ما يجعل يومي الزيارة ،حلبة صراع حقيقية بين قطبي حرب اوكرانيا.لا يعني ذلك ان وفد المبعوثين الاوروبي الامريكي، لا يتوفر،سلفا، على اجندة خاصة بزيارته، للخرطوم،يتقدمها ممارسة مزيد من الضغط على المكون الانقلابي للالتزام بنهج التسوية وفق الاتفاق الاطاري،والشروع في تكوينة حكومة مدنية لقيادة الانتقال،برغم ما يبدو عليها من مظهر الارتجال، وانما يعني،اعادة تكييف وترتيب تلك الاجندة مع مستجد حضور روسيا القوي ،في المكان نفسه.

 

( 2)

في كتابه “الصراع على سوريا”،ابدى باتريك سيل، استغرابه من صدور الدعوة لعدم الانحياز والحياد بين المعسكرين الشرقي الشيوعي والغربي الراسمالي،لاول مرة، من هذا البلد الصغير.ولم يتسن للمؤلف ان يشهد ،كيف امسى البلد الصغير،بعد مايقارب السبعة عقود من مؤتمر باندونغ،ممزقا ومتنازعا بين القوى الدولية والاقليمية الصاعدة في المنطقة. ربما يكون السودان ،هو ذلك البلد الصغير،في عالم الكبار ،هذه المرة ،الذي يعلي ،يومي الاربعاء والخميس،راية عدم الانحياز والحياد الايجابي ،بين المعسكرين،الاوروبي – الامريكي،من جهة،والروسي(ويضم الصين وايران،على الاقل،حتى الان)،من الجهة الاخرى.فعودة الصراع بين الغرب والشرق ،والارهاص ببروز عالم متعدد الاقطاب،بدلا من ثنائية مابعد الحرب الثانية، واحادية مابعد انهيار الكتلة السوفيتية،يشكل ظرفا موضوعيا لتجدد كتلة عدم الانحياز، لاضفاء قدر من التوازن للوضع العالمي وتموضعات القوة فيه.لقد سادت، لوقت طويل،رؤية تجد في الصراع بين الشرق والغرب صراعا طبقيا ،بين الاشتراكية والراسمالية، على المستوى العالمي.غير ان التخلى عن التوجه الاشتراكي في كل من روسيا والصين،بالذات، لم ينه ذلك الصراع، وانما كشف عن جذوره، التي تغذي استمراريته وتفاقمه،في تباين المصالح القومية وتضادها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى