صدى الواقع يكتبها : محمد مصطفى الزاكي

صدى الواقع

محمد مصطفى الزاكي

مواقف قد تصرفنا عن التفكير في السمبك

الموقف الأول:
(لو قلت ليك أنت مفتريء، وما بتقدِّر النعمة الإنت فيه تزعل!، لكن إنت بس تعال هنا، وشوف الناس دي عشان توفر موية شراب العندك متوفر على قفا من يشيل، هنا الحكومة والشعب والشركات والمنظمات كلها تجتهد عشان بس توفر موية صالحة للشراب!).
تلك كانت محادثة بيني وأحد معارفي المغترب، وهو يرد عليَّ حينما حدثته عن الإرتفاع الجنوني للأسعار، والأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها في السودان هذه الأيام.
ذكر لي صاحبنا أنه لو كان يعمل في السودان بذات الدوام والجدية التي يعمل بهما في الغربة لما فكر أصلا في السفر، حيث يعمل في مطعم لمدة ست ساعات يتحرك بين الكاشير والمطبخ والزبائن لحين إنتهاء الوقت المحدد له، ثم ينتقل فور خلع (يونيفورم) المطعم، إلى مصنعٍ مجاور يواصل فيه العمل لست ساعات دون أي فاصل ولا حتى للصلاة، ليخرج منه مباشرة الى موقع آخر يعمل في الحراسة الليلية، يقضي فيه ست ساعات متحركاً بين الأركان بعيون مفتحة وساهرة ويد أمين!، لتكون إجمالي ساعات دوامه المتواصل ثماني عشرة ساعة!.

الموقف الثاني:
لفت نظري منشور على مواقع التواصل الإجتماعي لأحد السودانيين يتحدث فيه عن صناعة الأمشاط من قرون الأبقار!.
حيث يقول أن سعر الطن من قرون الأبقار السودانية 1,000 دولار أمريكي ، والطن من القرون ينتج 25,000 مشط وسعر المشط الواحد يساوي واحد دولار ، والسودان يصدر طن القرون للصين بألف دولار فقط ، كل الدول تستورد منتجات الأمشاط المصنوعة من قرون الأبقار بمتوسط دولار واحد لكل مشط والطن الذي ينتج 25,000 مشط يُصدر بقيمة 25,000 دولار أمريكي مع أن صناعة هذه الأمشاط ليس شيئاً خارقاً وخط إنتاج هذا المنتج لا يتجاوز قيمة العشرة ألف دولار.
علماً أن أكثر الدول المستهلكة لهذه المنتجات هي دول أوروبا و دول الخليج العربي ومنتجات الأمشاط المصنوعة من قرون الأبقار مفضلة أكثر من المنتجات المصنوعة من البلاستيك أو الخشب. ثم يتسائل كاتب المنشور بأنه هل بعد كل ذلك سنتجاهل ونهدر مزيداً من هذه الثروة؟!.

الموقف الثالث:
في ندوة عقدت في جامعة الخرطوم خلال الأسبوع الماضي للحديث حول مشاكل أساتذة الجامعة الذين نظموا وقفة إحتجاجية طالبوا خلالها الحكومة بتحسين أوضاع الأستاذ لإنقاذ مستقبل الجامعات التي هجرها الكوادر بسبب تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، بعد أن صارت الرواتب لا تفي بإحتياجات الموظفين.
الدكتور عباس طه قدم طرحاً لمعالجة جميع قضايا ومشكلات البلاد الإقتصادية، في حال استعانت الحكومة ورئيس وزرائها حمدوك بأساتذة الجامعات وبحوثهم العلمية وإنزالها من الرفوف لأرض الواقع.
وقال طه أنه بدلاً من زيادة الرواتب التي لا تزيد لطين الأسعار إلا مزيداً من البلة، فإنه يجب على حمدوك تشجيع الناس على الإنتاج وإستغلال موارد البلاد السهلة، والإستعانة بأصحاب الفكر والرؤية بدلاً من جيش الخبراء والمستشارين الذين لا يحركون ساكناً.
ماذا استنتجت عزيزي القاريء من المواقف الثلاث؟ ألا زلت تفكر في الهجرة والهروب بالسمبك؟ لكن بالمقابل هل تدرك حكومتك أن الخلل يكمن في تجاهلها للمورد البشري الذي يجب التركيز عليه إكثر من الإهتمام بالموارد الأخرى؟
إجابات هذه الأسئلة هي الفاصل بين البقاء والعمل لتحسين الأوضاع في الداخل أو تحميل حقائبنا والهروب إلى الأفضل حتى لو كان السمبك هو الخيار الأخير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى