أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عشتها (٦)

بقلم :منتصر ابراهيم

يبدو الآن تحليل سياق تكوّن الحركات المسلحة مفهوماً ، حيث التمركز حول القبيلة كنواة ثورية ؛ ولن تكون كذلك وإن طارت ؛ وهنا يتضح أشكال التناقض في جبهات الحرب في دارفور ، حيث فشلت فكرة الثورة ، او وقعت في تناقض التلاعب الاستعماري قديماً وحديثاً ، وهنا نستحضر اطروحة دراسة محمود مامداني لمسألة دارفور ، كونها تعميق من الاستعمار وحصره في محور الشمال والجنوب ؛ اي صراع عربي افريقي ، بينما واقع الحركات المسلحة وصراعها من أجل السلطة تكشف زيف الدعاوى التي سادت أيام الحرب الأهلية التي فجرتها الحركات المسلحة .
فحركة تحرير السودان ، هي في الواقع حركات تحرير السودان منطلقة من مركزية قبلية وفي أحيان أخرى متمركزة حول خشم البيت او فخذ من القبيلة _ للزغاوة والفور والمساليت ، وعلى طول الخط تحدث الانشقاقات حاملة الإسم الأول ، ومن ثم تُلحق بلازمة توصف حالة مؤقتة ؛ كأن تكون حركة تحرير السودان القيادة الجماعية او حركة تحرير السودان الوحدة او تجمع حركة تحرير السودان او حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي .
بالعودة والنظرة الداخلية لحركة تحرير السودان ، توضح الصورة بشكل أشمل . ففي أثناء إحتدام الصراع بين مناوي وعبدالواحد ، كان يحتدم الاستقطاب تجاه المكونات الأخرى حيث ساد مبدأ اللاحياد ، واحياناً تلعب الجغرافيا عامل حسم في خط الانحيازات ، فالبرتي والميدوب في شمال دارفور تلقائياً كان تمثيلهم في حركة تحرير السودان مناوي محسوماً لعامل الجغرافيا ، وكذلك مساليت جنوب دارفور ، أما المساليت في غرب دارفور فكانوا على الجانب الآخر الى جانب عبدالواحد حيث ظل خميس أبكر نائباً لعبدالواحد لفترة طويلة الى أن انشق وظل متوارياً عن الانظار ، فأعادته تخطيطات سلام جوبا الى الواجهة بتوليفة نتعرض لها لاحقاً ، وكذلك فشلت تجربة منصور أرباب مع حركة العدل والمساواة حيث انشق بحركة تحمل نفس الاسم باغلبية من ابناء المساليت .
هذه التنويعات من الحركات يتوزع على جوانبهم الحلفاء من القبائل الاخرى المتوزعة في نطاقات جغرافية استراتيجية كالبرتي والميدوب في الشمال والمساليت القاطنين في جنوب دارفور ؛ وقد دفعت هذه المكونات ثمن انحيازاتها فادحاً بسبب اضطراب او تخلخل موازين القوى ، او فشل القيادة ، فنجد الاطراف المتصارعة الفور والزغاوة لم يفلحوا في المحافظة على احلافهم وتمتينها ، او يكونوا قد غدروا بحلفائهم ميدانياً ، كالحوداث التي تمت فيها التصفية و تنفيذ أحكام الاعدام رمياً بالرصاص في حق ابناء البرتي والميدوب من قيادة أبناء الزغاوة في الجانب الآخر من الحركات ممثلة فى حركة العدل والمساواة ، بل شهدت مناطق في ديار البرتي عمليات نهب للأسواق وكأنها عملية افقار ممنهجة كحادثة نهب سوق اللعيت جار النبي بصورة كاملة بينما لم تتعرض مصالح ابناء الزغاوة لأضرار ، بالرغم من أن المنطقة واهلها قد دفعوا ثمن احتضان حركة تحرير السودان قيادة مناوي على مدى ثلاثة أشهر في فترة انعقاد مؤتمر حسكنيتة ، ومن المسكوت عنه في صفقة اتفاق ابوجا ٢٠٠٦ تخلى مني مناوي من حلفائه ابناء البرتي وهم مستعصمين بجبال تقابو وكأنهم لم يكونوا يوماً تحت مسؤليته في الحركة او برفقته في السلاح ، وهو نفس التخلي الآن من الزراع الأيمن لمناوي في كل المحطات الدكتور الريح محمود الذي ظل ملازماً لمناوي في كل محطات هزائمه وانتصاراته تخلى عنه في اللحظات الأخيرة قبل توقيع إتفاق ابوجا .
الريح محمود كان نائباً لمناوي مع إنه يفتقد للكاريزما والقدرات الميدانية كان يبدو تابعاً لمناوي أكثر منه قائداً ، والآن انتهى الى لا شي بعد أن تخلى عنه في اتفاق جوبا بصورة مخزية مع اقتراب موعد التوقيع على إتفاق السلام . الريح محمود نائب رئيس الحركة من المساليت التقيته في معظم محطات المؤتمر وما قبله حيث كنا في نطاق واحد ، رجل محترم ومستقيم ، يعيبه أنه طوع يد مناوي yes man ، واحدة من خفايا اتفاق سلام جوبا ارتكاناً لمعطيات المحاصصة القبلية إذ نلاحظ أن مكون المساليت من جنوب دارفور ليس لهم اي تمثيل او تضمين لثقلهم السكاني في قسمة السلطة والثروة الجارية الآن ؛ فلا بد أن الأمر مقصود لأبعاد يمكن الاسترشاد عليها بسهولة . وفي الأمر إشارة إلى غياب اي نفوذ لسكان جنوب دارفور من المكونات القبلية المختلفة بالرغم من أن المساليت في قريضة وماحولها قد دفعوا ثمناً باهظاً في حروب حركة مناوي ؛ بل تعدى الأمر مجرد الولاء بل بلغ الأمر أن هناك اتهامات لمناوي بارتكاب مزبحة في حق مجموعة من ابناءالمساليت في قريضة ، لا أعرف الآن الى أين انتهت تلك القصة .
لابد أن خارطة التوزع القبلي في ميدان الثورة ، يشمل ابناء المكونات العربية الذين سعوا إلى إنشاء حركات على نسق مليشيات الزغاوة والفور والمساليت ، طبعاً فشلت المحاولات فشلاً مزرياً ؛ بالرغم من للعرب قيادات سياسية واعية ومدركة وجهود مقدرة في مسيرة مقاومة السلطة المركزية ، ويرجع ذلك الفشل لأسباب عُدة ؛ اهمها طبعاً تصور حملة انقذوا دارفور لشكل المقاومة في دارفور وحصرها في معادلة عرب وسوُد وسنفرد لهذه الجزئية كتابة منفصلة باستعراض دراسة محمود مامداني الذي بزل فيه كل الاكاديميين والدارسيين في العلوم السياسية السودانيين والأجانب ، حيث درس علاقات الأرض والارث والقبلية والموقع في أطرها التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. سنلحظ ذلك بالنظر إلى خارطة إتفاقية جوبا الاخيرة حيث نجدها عبارة عن خارطة تحالفات قبلية مختلفة تماماً عن تحالفات اوقات الحرب .
نواصل …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى