أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عايشتها (٤) الثورة بين النظرية والواقع

بقلم : منتصر ابراهيم

أجواء النقاش والتوقعات الكانت مخيمة على الميدان طوال الفترة ماقبل المؤتمر ، كانت تدور حول ما إذا كان سيحضر عبدالواحد محمد نور الى الميدان أم لا ؛ مع أن هناك إحساس عام باليأس من فكرة مشاركته واحكام مسبقة هي كانت دعاية مناوي وسرديته تجاه عبدالواحد ؛ لدرجة أن نوع من التعايش مع واقع يبدو إنه يمتد إلى تاريخ بعيد ؛ لكن كان هناك ثلاثة عوامل تجعل من التفكير حول عبدالواحد أشد إلحاحاً ولت يمكن تجاوزه ؛ الناحية الاولى ؛ تتعلق بالشرعية السياسية لرئاسة عبدالواحد ، حيث كان الأكثر صيتاً وتعريفاً من المغمور مناوي ، لذلك فالمؤتمر كان يعني لمناوي موضوع حياة او موت . الأمر الثاني كان يتعلق بالمكونات القبلية الأخرى في الحركة خصوصاً القيادات ، إذ يبدو الأمر مكشوفاً أمام الزغاوة _ هيمنة مطلقة يعني مشكلة سياسية لانهائية ، والفور ليست هي القبيلة التي يمكن تجاوزها ميدانياً وسياسياً بسهولة ، لذلك حرص مناوي على تعين مصطفي تيراب الذي تم استجلابه من ليبيا خصيصاً (نوع ما من الترميز ) ، لا أخفي اعترافي بحساسية المطبخ تجاه الأمر ، بعكس عبدالواحد الذي ربما حينما استعصى عليه الأمر اكتفى تماماً بفكرة حركة وجيش تحرير السودان المتمركزة حول الفور فقط . الناحية الثالثة والاخيرة لحساسية مشاركة عبدالواحد في المؤتمر يأتي من إلحاح (المجتمع الدولي) الذي كان يشدد على ضرورة توجيه المؤتمر نحو الوحدة وليس الانقسام ، وكان أمر الوحدة بشكل رئيسي موجه نحو المفاوضات طبعاً ، وهو محور الكلمات القليلة الموجهة لجمعنا خلال الاستقبال من يانك برونك وروجر ونتر خلال زياراتهم حيث كان يتولى العم سليمان جاموس الترجمة ، مع أني أشعر بأنهم كانوا يقولون لمناوي شي (امضي قدماً في قيام المؤتمر نحن في انتظارك في ابوجا )ويقولون لنا للمليشياء واعضاء الحركة شي آخر ؛ لكن في الواقع كانت هناك حركتان فعلاً ، حركة بقيادة الزغاوة وأخرى بقيادة الفور ، حرفياً تشابه هذه الحالة وضع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، والانقسام الحاد بين النوير والدينكا ، ولكن الفرق الكبير في دارفور يتمثل في وجود العرب على الطرف الآخر ، والعرب لم يتم سماع سرديتهم حول مسالة الحرب في دارفور حتى الآن ، وسنتعرض لهذه الجزئية لاحقاً .
يمثل الخلاف بين مني اركو مناوي و عبدالواحد محمد نور ، التناقض المركزي الذي نُسجت عليه المؤامرة تجاة مجتمع دارفور المناهض للسلطة المركزية ، ولم يكن النظام وحده هو من يلعب على هذا التناقض ، بل هناك قوى رئيسية صنعت هذا الوضع وسعت الى تكريسه بشكل منهجي ؛ طبعاً معلوم أن السياسات الاستعمارية تدير حتى نظام البشير نفسه داخل هذا التناقض ، والفاعلين على طرفيها هم مجرد وكلاء او مقاولين للمحافظة على المعادلة على النحو المطلوب كلياً .
الحديث عن حالة الانقسام والشقاق بين عبدالواحد رئيس الحركة ومني اركو مناوي الأمين العام ، هو محور علاقتي المضطربة بالقصة من البداية ؛ وما كنت ممسك بأبعاد هذا الانقسام ، فقد كنت اظنه إختلاف سياسي عادي يمكن حسمه في المؤتمر العام ؛ الى أن استوعبت الواقع كما هو في الميدان ، ففي الخرطوم كنا نحلق في فضاء التنظير الحالم والتفكير اليوتوبي حيث كنا طلاب ، محلقين في عالم الُمثل و التوق الى خلاص العالم بالثورة حيث سيمتلئ العالم عدلاً وحرية وسلام وينام الذئب والحمل في وئام وانسجام .
(الأمر مضحك طبعاً ، أن نشهد ثورة تدار اجتماعاتها وقراراتها ويتحدد موقعك بها حسب الرطانة التي قد تصادف وجود باحد اطرافها .
التفكير المثالي الذي تربينا عليه في الحركةالطلابية في مؤتمر الطلاب المستقلين ، والتربية المدينية وارث تربية ابناء الموظفين وعوامل عديدة خلق من شخصيتي حالة منفصلة عن واقع عالم الرطانات ؛ صحيح كنت محب للغات المحلية ودارس لها ؛ لكن لك أكن أتصور أنه في تنزلات الثورة تصبح سلطة وامتياز ؛ صحيح ايضاً أن بمجرد التصريح والتعبير عن قبيلتك في الحركة قد يوفر لك امتياز او حصة من النفوذ ، لكني كنت اعتبر ذلك تجريد لهذا الاجتماع الانساني من قيمته العليا حيث لن تصبح ثورة حينها ، فما كنت استلم التلميحات السياسية بخصوص ذلك ، فمثلاً قبل مغادرتي الخرطوم الى الميدان ، وفي محاولة من عبدالواحد لإثنائي عن السفر إلى الميدان قال لي سيتصل بك احمد حارن ، اظنه قيادياً من قبيلتنا لا اعرفه ؛ طبعاً ليتولى اقناعي او يتولى احتوائي ضمن قطيع القبيلة ، للحقيقة أجدها مسألة مثيرة للضحك في كيف استجيب واقتنع لرأي شخص لمجرد أنه من قبيلتي وأنا لم التقيه من قبل اصلاً ، لماذا تصرف عبدالواحد على هذا النحو فهو لم يكن يرطن حتى يظن أني لم افهمه !! نعم لم اكن مغفلاً الى تلك الدرجة ، فقد تصورت أنه قد سأل على نحو ما ربما في مكالمة مشفرة بالرطانة عن قبيلتي ، فقالو له أن قبيلته كذا ، فبحث في الميدان عن احد حلفائه من القبيلة المحددة واقترح عليه احتوائي . هذا هو الواقع ، الفرق بين الثورة في الواقع والمثال ؛ مكونات من قطائع وفصائل قبلية تجول بمتحركات محملة بالمدافع وصواريخ ال RPG.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى