أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عشتها (٥).

 

بقلم :منتصر ابراهيم

اتمنى ان اتمكن من تجميع شتات هذه الذكريات والمواقف ، للتعبير عن سياق حركة جيل عاصرناه في الجامعات في محطات مهمة من عمر الحركة الوطنية الساعية للتغير والتحرر الوطني ومقاومة الانقاذ ، الجيل المستنير من ابناء دارفور ، الذين هزموا التباينات القبلية والعرقية من كل مكونات دارفور ، تجمعهم مختلف التيارات السياسية ؛ تجد فيهم حزب الامة والمستقلين وال ANF ، فكانوا قيادات في الحركة الطلابية التي هزت عرش الإنقاذ ؛ اذكر منهم محمد سليمان خاطر الذي احتضن تجمع روابط طلاب دارفور وابو القاسم إمام الحاج ابرز المنشقين عن عبدالواحد ، واسماعيل موسفيني الذي احتضن تأسيس الجبهة الشعبية المتحدة نسخة شبيهة للجبهة الوطنية الافريقية ؛ ولابد أن تجربة الحركات المسلحة تمثل جزء من مساهمتها او جزء من احلامها وتصوراتها للتغير ، حيث سادت في تلك الحقبة ايديولوجيا السودان الجديد ، والهام جون قرنق والحركة الشعبية لتحرير السودان ، لذلك نجد أن ابرز قادة الحركات المسلحة في مراحلها الاولى من خريجي جامعة جوبا ، أمثال ابوالقاسم إمام الحاج واحمد عبدالشافع توبا ومحمد سليمان خاطر بالرغم من إنه لم يكن قيادياً رسمياً في حركة تحرير السودان إلا إنه كان منسقاً سياسياً لمناوي في الداخل والأب الروحي لتجمع طلاب دارفور في الجامعات وحلقة وصل مهمة في تنسيق الإعمال مع المنظمات الدولية من واقع عمله في منظمة أطباء بلاحدود ؛ محمدسليمان خاطر كان من الضروري ذكره في هذه السطور .
لأحمد عبدالشافع مشهد طريف اذكره حينما جاء الى المؤتمر من قاعدة في جبل مرة ممثلاً لعبد الواحد . جاء وهو يضع علامات أركان حرب الجيش الشعبي ، فهو من قُدامى خريجي الجبهة الوطنية الافريقية ANF من جامعة جوبا ، لذلك فهو ينظر إلى الحركة من منظور السودان الجديد ، ربما كان من ضباط الحركة الشعبية لا اعلم ، المهم بمجرد حضوره تم إقامة طابور شرف عسكري بالموسيقى العسكرية طبعاً بايقاع طابور شرف الجيش السوداني ؛ كانت لحظة مهيبة ثورية لابد أن البعض قد ترقرقت الدموع في عينيه ، وفي اثناء وقفة هذا الطابور ، ضمت المنصة القادة العسكريون ، القائد العام جمعة حقار وقائد الأركان والامين العام مناوي واخرون ؛ فاختار أحمد عبدالشافع الوقوف الى اقصى اليمين تعبيراً عن الأقدمية طبعاً حسب التراتبية العسكرية ؛ اذكر أنه سرت همهمات هنا وهناك مستهجنين هذه الوضعية ، فلهذا الجمع قائهم العام ، فهذه الخطوة من أحمد عبدالشافع تعني أنه عسكري فذ وذو حس سياسي رفيع وجرءة ؛ إلا أنه لا اعتقد ان هذه الخطوة كانت تعني لجمعة حقار شيئاً فربما لا يعرف مضامين هذه الخطوة لكونه ( زول طيب شديد قروي أشك أنه يمتلك ثقافة عسكرية من هذا النوع ) او أنه متسامح ، فعلاً سمة التسامح تشبه جمعة حقار تماماً ، بينما مناوي لا اتوقع أن تكون هذه الخطوة قد فاتت عليه فهو ماكر وينظر من حوله جيداً اضافة الى اجواء التحدي التي كان يعيش فيها .
بالعودة إلى احمد عبدالشافع صاحب ذهنية السودان الجديد الذي يتقاطع مع وقائع الميدان والسياسية الواقعية ( القبيلة والسياسة ) ؛ مع اننا اصبحنا فاقدين للثقة في قدرة اي مشروع على اختراق سياج القبلية في السياسة السودانية ، والدارفورية على وجه الخصوص ؛ فهو ربما بشكل اوتامتيكي ربما وجد نفسه وسط ابناء الفور تحت قيادة عبدالواحد الذي انشق عنه لاحقاً . القبيلة كمعطى في مسار السودان الجديد كحال الدكتور جون قرنق نفسه الذي لم يخرج حتى مماته من حاضنة الدينكا ، فاحمد عبدالشافع وصل مقر المؤتمر مع الجلسة الافتتاحية كما اشرت برفقة نصرالدين تحفهم إجلال وهيبة ، فقد كانوا في ريعان الشباب ممتلئين حيوية زوي مظهر قيادي لا تخطئه العين يجسدون ملامح القادة الافارقة في معارك التحرر تماماً كسينكارا ونيريري ..الخ ، لابد ان ذلك سيكون ظاهراً طالما يعتكف اولاد دارفور على قراءة سيّر البطولات الافريقية في مسيرة التحرر الوطني ، تحدث أحمد عبدالشافع في كلمة مقتضبة عن مشروع التغير وضرورة وحدة الثورة ، وتمنى مجريات طيبة للمؤتمر والتوفيق .
غادر أحمد عبدالشافع والوفد المرافق له ، وسمعنا بعد فترة وجيزة عن حادثة انقلاب عربتهم في طريق العودة الى جبل مرة ؛ استشهد على إثرها نصر الدين نسأل الله له الرحمة والمجد لذكراه . ، اجدني اشعر بالحسرة والحزن على ضياع أحلام ذلك الجيل الشاب واغتيال احلامهم على يد الطفيليين القبليين ، طبعاً مناوي لا ينتمي لهذا الجيل من قريب او بعيد ، بل هارب منهم ولم يكلف نفسه بالتعمق في هذه الخلفيات ؛ بل اعتقد أنه يضع نفسه في موقع الند مع دكتور جون قرنق هههه ، إذ اذكر في لقاءنا الأول عند قدومنا أن عبر باستياء عن طلبات او توجيهات من دكتور جون ، لربما يتعلق الأمر بمسألة الوحدة مع عبدالواحد . طبعاً مشهد الحرب في الجنوب وبداية تنفيذ إتفاق سلام نيفاشا كان يلقي بظلاله على تطورات الأوضاع في مشهد دارفور .
يظهر في الصورة ، رفاق اعزاء لا زالت صداقتنا ممتدة ؛ أذكر منهم محمد بشير كُرفيا ومصطفي داؤود محمد وبشارة مناقو واخرين ربما تسرب النسيان قليلاً .
نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى