أخر الأخبار

قصتي مع الدعم السريع ( ٦)

 

قصتي مع الدعم السريع ( ٦

بقلم :منتصر ابراهيم الزبن

طبعا أهم جزئية من قصتي مع الدعم السريع ، هو إنو اصبحت مجرد كوكب يدور في فلك حميدتي ؛ و اصبحت مرئياً كأني لم أكن يوماً لي وجود ، كأني كنت نكرة واعاد حميدتي تعريفي ؛ بينما كنت انظر إلى نفسي بشكل مختلف ، ذلك الخارج منتصراً من ثورة ورحلة كفاح ، فأنا عشت حياة متصلة على وتيرة واحدة من تجارب سياسية وثورية ، فيها معاناة من سجون ومعتقلات ومواقف بطولية ونحو ذلك ؛ فاذا بي ، يتم اختزالي ، في طلبات ورغبات يمكن تلبيتها عبر حميدتي ؛ والمضحك المبكي ، في نفس الوقت ، أن من كان يمارس الوصاية علي أيام النضال والمرمطة ؛ بينما كنت احتاج دعمه ومناصرته ، كان ينصحني بترك ما أعرض له نفسه من متاعب وشقاء ، ويطلب مني أن التف الى ما يفيدني بدل الهدر وتضيع الوقت ؛ أصبح اخيراً يناديني بالسيد القائد ، لمجرد أن أصبحت( تبع )حميدتي ؛ هكذا أصبحت ( مع حميدتي ) ، صفتي العامة ؛ وكأني لم اكن يوماً ولا اي حاجة ، فاصبحت محط إهتمام من بعض الأهل ، وأصبحت بقدر قادر يتم مناداتي بالسيد القائد ؛ اي والله انا بقولو لي السيد القائد ، واذكر اكثر من مرة صارت سيدة ارستقراطية ، تحاصرني بالمراسلات ، تطرح لي عروض بيع عقارات فخمة في مناطق استراتيجية في الخرطوم ، ترجوني عرضها لحميدتي ليشتريها ، ومرة قابلني احدهم بمجموعة من الشباب الفتيان من أقربائه ، بعضهم خريجين من كليات مميزة ؛ يرغبون في التجنيد في الدعم السريع ، ومرة قابلت بعد إلحاح شديد احد اقربائي يطلب مني تقديم اوراق صديقه الضابط السابق في الشرطة ، ويرغب إلحاقه بالدعم السريع ؛ وأكثر المواقف المحزنة على الإطلاق ؛ أنه ذات صباح طرقت سيدة باب المنزل ، تسأل عني ، فقابلتها وهي تجلس برفقة صبي صغير في كنبة بعد أن ادخلتها منال زوجتي الى الداخل ؛ فبادرتني يعتصرها الألم ، أن أبنها مريض وهي لا تملك سبيلا إلى علاجه ، وهي ارملة ترجوني في اي مساعدة ، او فرصة عمل تساعدها في تدبير امورها ؛ فدلوها الى منزلي ؛ لقد كانت تلك المرأة بالنسبة لي تجسد كل مآسي وأحزان النساء السودانيات المحملات بالمسؤوليات الجسام ، ولكم تمنيت أن اساندها ؛ ولكن للأسف ما كنت أملك سوى مساعدتها بالقليل مما املك بالصبر ، وارجو لها التوفيق مع صادق الدعوات .!!
في الواقع مع هذا الزخم لم أكن شيئاً ، مما يعتقده الناس بشأني ؛ وليس بمقدوري فعل اي من الاشياء التي يفترضها الناس ؛ كنت أشعر بالاختناق والبلاد قد اُصيبت بصرعة حميدتي على كل شي قدير ؛ وانا لم يكن باستطاعتي إتاحة فرصة تجنيد أحد في الدعم السريع ، ودُرج السيارة مليئة بالملفات ، لم يكن بامكاني عرض فرصة شراء عقار لحميدتي ، وهاتفي مليئي ب( الكوريكيات ) وارقام قطع الأراضي ، لم يكن باستطاعتي مساعدة أرملة في فرصة اتاحة عمل وهناك من تطرق بابي في الصباح الباكر ، حتى لو ساعدتها بما يسد رمقها ليوم او يومين ، او احتساء الشاي معنا ؛ كنت أدرك أن مااسمعه من مديح كصفة السيد القائد هو مجرد نفاق لا أكثر يخنقني أكثر من هذا الجو الفوضوي . وهنا أذكر أطرف مواقف الألقاب والتملق المؤقتة التي سمعتها مرة ، كان أحد الموظفين الكبار في الحكومة ، الانتقالية ، يراسلني في الماسينجر ، يناديني كل مرة بيا ( بوس boss ) ؛ ولكن بمجرد أن اعلنت تركي الارتباط بحميدتي ، أصبح فجأة حينما راسلته مرة ، اخذ يناديني ب ( يا شاب ) 😂 !
أعلم أن السلطة ، ومظاهرها الخادعة تجلب المتاعب ، وأن المرء يكون محط أنظار الناس ؛ ومن الجيّد مساعدتهم ، إذا كان لذلك سبيلا ؛ وأعلم أن هكذا تجري الأمور في هذه البلاد ، وكثيرون مثلي ، يتلقون الطلبات ويعطون الوعود ، يمارسون السلطة ( بوكو ) ، كما يقول المصريين ، ( عُمد بلا اطيان ) ؛ وفعلاً كنت في الواقع عُمدة بلا اطيان ، اذا ما فقدت فرصة الإتصال( بالقوني ) . فكرت مرة وانا بهذا الضيق ؛ ماذا إذا تم إلقاء القبض علي من وحدة من استخبارات الدعم السريع بتهمة انتحال صفة الدعم السريع ، في محيط لا يخلو من التآمر ، خصوصاً وأن أقرب الاقربين من القوني كان يمقتني مقت واضح لكنهم منافقون ، لا بظهرون ذلك امامه ، أشعر بأنهم لا يتقبلون فكرة وجودي إلى جانبهم ، إذ ينظرون إلى كمنافس ؛ او لأني اتعامل مع القوني بدون ( كُلفة والقاب ) ؛ لدرجة أن مرة تعرضت عربتي للسرقة مرتين ، والعبث بمحتوياتها ، بصورة اثارت شكوكي ، وبينما كنا نجتمع في حضرة القوني مع قريبه ، ذو الرتبة الرفيعة الذي ابلغته بذلك ؛ إلا إنه لم يكلف نفسه ، حتى عناء الإتصال بمعرفة ما يحدث معي ؛ ليس للإهتمام بشخصي ، ولكن على الأقل لأن السيارة ، تعتبر من أصول المؤسسة وهي عهدة ، ماذا إذا تعرضت للسرقة ، اليست مسؤولية ؛ إذا تجاوزنا هذا الوضع المحرج .!!!
من باب الاتساق مع الذات ، قررت أن هذا الوضع معيب ، وغير لائق ؛ وانا سهمي في هذا التغيير ، الذي خلق هذا الوضع أكبر من حميدتي ؛ فانا واجهت الموت اكثر من مرة بصدر عاري ، وتاريخي أكبر من مجرد ، أن يزدريني رائد في الدعم السريع ، نال رتبته بالقرابة وكان السابق ، قد درس الجامعة تحت كفالة صندوق دعم الطلاب ، وكان كوز ؛ بينما أنا الثوري المثقف الذي يمتلك النظرية ، للدفاع عنهم ، مؤسساً منظمة بفلسفة تناسب اتجهات التغيير ، من المعيب أن ارتضي بهذا الوضع التافه !!
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى