أخر الأخبار

دارفور تبتدر الفيدرالية بالعملية الإعلامية

 

بقلم :عبدالله آدم خاطر

 

كان يوم الأحد الحادي عشر من مارس 2023، بمدينة نيالا، يوماً مميزاً لدارفور في ظل التدابير التي قد تقود إلى حكومة مدنية، وتخدم التأسيس للإقليم باتجاه السلام والتنمية، والاستقرار السياسي، ثم نزع فتيل الشكوك المشروعة لدى المواطنين بشأن مستقبل تتعزز فيه الثقة والرضا، وإعلاء قضايا العمل المشترك.

لقد اكتسب اليوم تميزه، أن أستضاف محمد حامد هنون الوالي لجنوب دارفور ملتقى وورشة ليوم واحد برعاية د. محمد عيسى عليو نائب حاكم الإقليم، وبمشاركة من زملائه الولاة وممثليهم وأبرزهم نمر عبد الرحمن والي شمال دارفور، وبحضور نوعي لقادة الرأي الاعلامي الحكومي في ولايات دارفور الخمس، إضافة إلى خبراء في مجال الاعلام ورموز المجتمع الإعلامي والمدني في المدينة، وذلك للتداول حول تطوير رؤية إقليمية للعملية الإعلامية، بمنظور معالجة مهنية لقناة الولاية، التي عرفت بالبحير، وترفيعها إلى قناة فضائية تخدم الإقليم في إطار تأسيس وبناء دولة السودان، المدنية الديمقراطية الفيدرالية، وتعمل على حفظ السودان ووحدته وتنوعه، وتعزيز مبادئه الدستورية وأثراء لتجربته الإقليمية التنموية بمحوريها الثقافي الإجتماعي والإقتصادي الاستثماري.

لقد تداول الملتقى الإعلامي، في الورشة ثلاثة أوراق هي ورقة البرامج العامة التي تعني بالمحتوى، وأخرى حول الجوانب الادارية المالية لتشغيل الفضائية وهي بتكلفة تزيد عن المائة مليون جنيه سوداني، وورقة ثالثة حول العمليات الفنية والهندسية والتي لا تقل تكلفتها عن الستمائة ألف دولار أمريكي، والورشة بعد، ضمن جهود أخرى تعتبر من ثمرات النضال المدني الطويل والسلام بعد نزاع مدمر، خلف بحور من الاحزان.

منذ إندلاع النزاع المسلح الداخلي The Armed Internal Conflict بين أطراف متعددة في دارفور مع مطلع الألفية الثانية، تطورت الإهتمامات الاقليمية الدولية بدارفور ليس باعتبارها أقليم الحق قسراً بالسودان وعانى تاريخياً من التبعية السياسية الادارية، والاستنزاف الاقتصادي والتهميش الثقافي الاجتماعي وحسب، بل وأيضاً لأن النزاع بمحاوره العديدة جعلت من الاقليم إمكانية تهديد للامن الاقليمي وللأمن والسلم الدوليين، وبذلك أضحت دارفور ضمن المحاضر والقرارات المرجعية في مجلس الأمن للأمم المتحدة لسنوات عديدة، بما في ذلك القرار رقم 1591 العام 2005، والذي تقرر به حظر السلاح إلى دارفور، وتجميد الأصول وحظر السفر للأشخاص المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، وقد ظل القرار يتجدد سنوياً، كما حدث هذا العام أيضاً في جلسة مجلس الأمن بتاريخ الثامن من مارس 2023. إن تلك القرارات بمجملها تمثل حماية دولية غير متراجع عنها لحقوق وحريات المدنيين بدارفور في سودان المستقبل.

مع إمكانيات الحماية الدولية الماثلة تلك بحق دارفور، تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومع احتمالات ثمرات إتفاق جوبا لسلام السودان، أخذت الأسئلة تتوالى بشأن الاستقرار السياسي لدارفور: كيف يكون؟ وكيف يتم في ظل العملية السياسية الراهنة؟ لقد تلخصت القاعدة الذهبية لسلام اقليم دارفور وحقوقه، وبنجاح ثورة ديسمبر المجيدة، وباصوات الجموع الثائرة والهادرة (كل البلد دارفور). لقد أضحت دارفور بسلمية الثورة ومصداقيتها مشروع استقرار كما الأقاليم والولايات الأخرى، وأضحى الحوار من أجل السلام فيه أسبقية ثورية، وقد جعلت من الأطراف الثورية وقيادات الدولة والحكومة، أطراف مفاوضة وسفراء السلام الحلم لدارفور.

كان راجحاً لدى المواطن في دارفولا خاصة، أن يضطلع قادة حركات الكفاح المسلح، في الاستثمار داخل حلبة السلام بالحوار والتفاوض والتفاعل الفكري السياسي مع القوى السياسية وقوى المجتمع المدني، ذلك أن خط التراجع عن الحوار لم يعد سالكاً، خاصة وقد أختار مواطنو دارفور درب الثورة السلمية بنجاح منذ أزمان طويلة. لقد تحقق لهم حرق العلم البريطاني في 1952م في مظاهرة سلمية، فيما تحقق لهم كذلك تأسيس إقليم دارفور بسلطة مواطنيه في إنتفاضة 1980م السلمية، وقد تسلم إدارة الاقليم يومئذ المستنيرون من المواطنين المثقفين بمن في ذلك أحمد ابراهيم دريج، محمود بشير جماع، و د. علي الحاج، وعناصر أخرى من الشباب، بيد أنها كانت عناصر مستنيرة ومسؤولة.

بأسف، ودون مبررات كافية، صبت جهود قادة بارزين في حركات الكفاح المسلح بدراية أو بغيرها، في دعم انقلاب أكتوبر 2021 والذي أخذ في التراجع من يومه الأول، ولم تخل أضابيره من مساس بحقوق المواطنين السودانيين في دارفور، وفي غير دارفور من الولايات والأقاليم، وذلك ما جعل أهل دارفور في حالة من الدهشة والصدمة النفسية، إذ أنعدمت كل وسائل التواصل والحوار مع قادة الحركات المسلحة فيما يتعلق بالحقوق الدستورية في المجالات السياسية الاقتصادية الثقافية الاجتماعية .. الخ في ظل فيدرالية لا تماثلية، تساهم بها دارفور في بناء الدولة السودانية المدنية الديمقراطية، ولكن مع ذلك، برز نوع آخر من الحوارات لا تقل أهمية، ولن يكون آخرها ملتقى نيالا النوعي، الذي جمع عقول مستنيرة تصنع الرأي العام البنّاء والمبادر.

لقد توفرت أمام المشاركين في ورشة نيالا تفاصيل متنوعة حول أهمية فضائية سودانية باقليم دارفور، للسلام وإثراء للتنوع وتعزيزاً لوحدة الوطن، مما يجعل التكلفة مهما بلغت فهي زهيدة لنتائجها النهائية في خدمة الانسان السوداني المثابر والقادر على البذل والعطاء وتكريم الذات، وهكذا فإن التكلفة والثمرات لن تكون أجهزة فقط، بل يضاف إليها تدريب الكوادر وترفيع قدرات الإستفادة لدى المشاهدين بالأخبار، والتعليم والتثقيف والترفيه. أنه بتجربة الاتجاه نحو تأسيس قناة فضائية لدارفور دعماً للمدنية والديمقراطية والفيدرالية، يكون الإقليم بمواطنيه ومثقفيه وحكوماته الولائية وحكومته الاقليمية، يكون قد سبق وتجاوز قدرات قوى حركات الكفاح المسلح، مما قد يتطلب من الأخيرين برغم أدوارهم النضالية أمس، عليهم أن يتعلموا أكثر وفي أوقات متسارعة من أجل غد أزهر، وحتى لا يقطع مواطنوهم والمجتمعان الاقليمي والدولي، العشم بالكامل في قدرتهم على تعلم أساليب القيادة المدنية والتي تجعل منهم حلفاء الإنتقال الديمقراطي المرتقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى