أخر الأخبار

الطريق لبناء الجبهة الوطنية العريضة الفعالة..

 

قراءة أولية للرؤية السياسية للبعث الأصل

(1)

بقلم: أ. عثمان إدريس أبو راس

 

تقدم حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل) في الثاني من فبراير 2022م برؤيته لاسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي موضحاً بأنها تنطلق من الإيمان بوحدة السودان شعباً وأرضاً، ولا تمييز بين أبنائه في الحقوق والواجبات على أسس جهوية أو قبلية أو ثقافية أو دينية أو جنسية.. ومناهضة كافة دعوات وأطر التفتيت، بأي راية استظلت، وبالنضال السلمي الديمقراطي سبيلاً وحيداً لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر، وبناء الدولة المدنية المرتكزة على نظام ديمقراطي، قائم على قاعدة التمثيل النسبي، وتوطين السلام الشامل، الكفيل بمنع تجدد الحرب مرة أخرى، وبناء دولة القانون والمؤسسات، والفصل بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية.. واحترام حقوق الإنسان وحرياته.. وإقامة العدالة بالاقتصاص للمظلومين ومحاربة الفساد والمحسوبية، واضطلاع شعبنا بدوره في تعزيز وحدة النضال العربي الأفريقي ضد كافة أشكال ومخططات الهيمنة والاستغلال والتبعية وإقامة دعائم النهوض الوطني، بالتنمية المستقلة الشاملة والمتوازنة جهوياً واجتماعياً.. مشدداً بأن ضمانة تجسيد تلك المبادئ والأهداف على أرض الواقع تعتمد على النجاح في بناء أوسع جبهة شعبية قائدة لنضال شعبنا بمختلف وسائل النضال السلمي الديمقراطي، وصولاً إلى اسقاط النظام بالإضراب السياسي والعصيان المدني.. وجاء في خاتمة الرؤية ترحيباً بتفاعل الوطنيين معها إضافةً أو تعديلها بما يطورها لتصبح معبرة بصدق عن رؤية الملايين من أبناء وبنات شعبنا..

وتفاعلاً مع تلك الدعوة فإنني أتقدم بهذه المساهمة بالتركيز على قضية الجبهة العريضة بأمل اثرائها بالمزيد من المساهمات.

 

إن تلك الرؤية السياسية المتفق عليها تعتبر اتفاق الحد الأدنى الواجب الالتزام به..

وهذا يعني أن القضايا الخلافية يؤجل البت فيها ما لم تكن الضرورة تقضي بحسمها، وفي هذه الحالة تحسم ديمقراطياً وفق اللائحة المجازة من أطراف الجبهة المقترحة.. وأن التركيز على التناقضات الرئيسية يضمن وحدة الجهد ويمنع تشتته الذي يستفيد منه العدو (قوى الانقلاب)..

إن من أولى واجبات الجبهة تناغم وتكامل فعالياتها جغرافياً واجتماعياً، في العاصمة والولايات، مع الحرص على تصريف مبدع لبرامجها بمخاطبة القضايا المحلية، إضافةً للقضايا الوطنية.. قضايا الأمن والمعيشة والخدمات الأساسية في الصحة والتعليم ومياه الشرب النقية والكهرباء والبنية التحتية الأولية.. وبحشد مساهمات كافة القدرات الوطنية المتخصصة كل في مجاله..

كما أن واجب توسيع الجبهة يتطلب نظرة أوسع للقوى العاملة باتجاه إقامة مجلس أعلى للاتحادات والنقابات عبر استيعاب التنظيمات واللجان التسيرية للعمال والحرفيين والمزارعين والرعاة والكتبة وأمناء المخازن والمحاسبين والفنيين في قطاعات الهندسة والاتصالات والزراعة والصحة…الخ، وتنظيم سبل التنسيق بين هؤلاء جميعاً وتجمعات المهنيين..

كما وأن الجبهة معنية كذلك بإقامة ورش تتناول بالتقييم أداء مؤسسات الفترة الانتقالية قبل انقلاب 25 أكتوبر وبعده لاستخلاص دروس تلك التجربة.

كما أنها مطالبة بعقد دورات تدريبة تأهيلية للشباب من الجنسين في مختلف المجالات.. ووضع خطة لتوظيف إمكانات السودانيين خارج السودان لكسب التضامن العالمي مع الجبهة ومحاصرة الانقلاب..

إن الشفافية في تعامل أطراف الجبهة بعضها مع البعض الآخر ومع قاعدتها الشعبية، وأبناء وبنات شعبنا بشكل عام، تؤكد جدارة قيادات الجبهة ومكانتها الطليعية، وتعزز ثقة الآخرين فيها.. وتثبت عملياً أن قواها لا تتطير من النقد وليس لديها ما تخفيه عن شعبنا أو تخشى المحاسبة عليه.. وحرصها على تجاوز ما يعترض طريقها من التحديات بجهد جمعي، وتصويب الأخطاء التي قد تقع فيها، شأنها شأن كل جهد بشري، والتغلب على المشكلات والعقبات التي تعترض طريق العمل المشترك، بمواجهتها والبحث عن أسبابها بطرق موضوعية ونظامية تسود فيها التقاليد الديمقراطية.. وعلينا دائما تجنب البحث عن شماعة نعلق عليها اخفاقاتنا.. سواء كانت أخطاءً أو تقصيراً.. أي أن لا نغمض أعيننا عنها..

أننا لن نصل للحقيقة الكاملة، إذا اقتصرت رؤيتنا لأسباب الفشل على العوامل الذاتية وتجاهل الجوانب الموضوعية.. إذ لا يعدو في هكذا حال إلا أن يكون جلداً للذات..

ومن الأهمية التأكيد على تحقيق التفاعل بين مكونات الجبهة والتوازن بين الاستقلالية والوحدة في الإطار الجبهوي.

لأن الشرط الأساسي لنجاح الجبهة هو تفاعل أطرافها وتكاملهم ايجابياً.. الحرية والتغيير– لجان المقاومة– قوى الثورة الأخرى.. فقرار الإضراب عن العمل مثلاً الذي تتخذه التنظيمات الفئوية يجد سنده المطلوب في حراك لجان المقاومة الميداني والذي قد يكتمل في تظاهرات أو اعتصامات مع المشاركة الشاملة لانجاحه والذي يحقق بالمقابل علواً لكعب لجان المقاومة.

وهذا يتطلب رغبة صادقة في التفاعل المطلوب والشعور بالحاجة الملحة له، والقناعة بأن التفاعل لا يلغي الاستقلالية.. إذ تنجز من خلاله مهاماً كان عبء إنجازها سيقع على كل طرف بمفرده..

فكيف نصل بالتفاعل المشترك لهذه الدرجة؟

يتحقق ذلك مع إدراكنا بأن الاتفاق على شعارات الثورة.. (حرية سلام وعدالة..)، والتضحيات المشتركة في سبيلها، لم تلغِ استقلالية أي طرف منها، بل تمخض عن ذلك كله ارتقاء الاستقلالية لمستوىً جديد مستوعب لتطورات الواقع الاجتماعي والسياسي ويفتح طرقاً جديدة أمام الجهد الفكري والسياسي والاجتماعي أخذاً وعطاءً.

 

وكما أن التفاعل مطلوب أفقياً بين مكونات الجبهة، فإنه من باب أولي، أن يترافق معه تفاعلاً رأسياً، بين القيادات والقواعد وبينهم وجماهير الشعب. (فمن تواضع لله رفعه) وذلك يعني أن نكون (تلاميذ في مدرسة الشارع) كما نحن معلمون له.. فمن لا يحسن الإصغاء للآخرين لن يستمع إليه أحد.. والذي يعجز عن التعلم من الآخرين يصبح كالفرعون الذي قال: (لا أريكم إلا ما أرى).. وكذلك الحال في العلاقات البينية لأطراف الجبهة، أخذاً وعطاءً، وهذا يعني اشراك أطراف الجبهة في اتخاذ القرار وعدم انفراد أحد بفرضه، مع ما يستوجبه اتخاذ القرار من توفير احتياجات إنزاله في الزمان والمكان على أرض الواقع..

وليس من العدل أن يختل التوازن بين الحقوق والواجبات على كل المستويات.. بين النقد والنقد الذاتي، بين الذاتي والموضوعي، وبين المادي والمبدئي…الخ.

فبقدر الجدية في أداء الواجبات، تترتب الحقوق وتتأكد المصداقية في الالتزام بالعهود، وتتعمق الثقة بين الأطراف، ليتحقق بذلك كسباً خاصاً وعاماً للجميع في آن واحد..

إن النظرة الجدلية والموضوعية للتفاعل والتكامل والجدية في الجهد المبذول للانتقال للتحول الديمقراطي الذي يتأسس بعيداً عن العقلية النقابية في تصور الكسب، تجعل الكل رابح.

 

وفي مقابل مخططات صناعة كيان مدني زائف موازي للجبهة كمشروع قيد التخلق، فإن ذلك يحتم علينا الاسراع ببناء الجبهة ومباشرة فعالياتها وفق برنامج معلوم ومتصاعد يكسب الجبهة اتساعاً في القواعد، وعزلة للبدائل المتنوعة والمتجددة.

 

وإزاء المطالبات المتصاعدة (بحسن نية أو بغيرها) لأن تقدم قوى الحرية والتغيير نقداً ذاتياً لأدائها، فإن ذلك يعكس، بصرف النظر عن النوايا، مكانة الحرية والتغيير في مجتمعاتنا. وهو واجب لا تُدعى إليه من خارجها، بل هو من صميم آلياتها في المراقبة والمتابعة والمشاركة وتصحيح الأخطاء.. وينبغي أن يمارس هذا النقد في اجتماعات اللجان وعلى مستوى الاجتماعات الموسعة واجتماعات المكتب التنفيذي والمجلس المركزي (بالنسبة لقوى الحرية والتغيير) وفي مؤسسات الجبهة باتجاه ترسيم المسار نحو الديمقراطية والسلام والعدالة وتجسيدها على أرض الواقع..

إن التأثير لا يأتي من طرف واحد من أطراف الجبهة، بل لا بد أن يكون متبادلاً، فليست الجبهة بحاجة إلى (أجسام ميتة) وذلك هو المفتاح للباب المؤدي لإنجاز أهدافها وتطويرها.

 

وتتعدد صيغ استهداف الحرية والتغيير، ومن أخطرها الشائعات والحملات الإعلامية، وانتحال اسمها، لشيطنتها وأحزابها أمام الشارع..

المهم التنبيه إليه، أن نمتنع عن أن نكون ناقلاً لها قبل أن نبدأ في بث الخطاب المضاد لها؛ فبالامتناع عن النقل يتقزم تأثير تلك الشائعات، وبالحملة المضادة يكتمل القضاء عليها..ومن نافلة القول، أن أي هجوم على أي فصيل من فصائل الحرية والتغيير أو الجبهة هو هجوم على بقية فصائل الجبهة والحرية والتغيير.

إن قوى الردة تتحرك بعقلية الذئاب التي تختبر الوسط المقابل قبل الهجوم عليه، فإن اكتشفت أن هجومها على طرف من الأطراف لم يحرك للأطراف الأخرى ساكناً، فإن تلك الفلول ستمتلك الجرأة على الهجوم للنيل من الأطراف الأخرى.. لذلك علينا أن نكون متيقظين ومتحسبين لتلك المخططات وواثقين في نفس الوقت من انتصارنا بالتزامنا على ما تواثقنا عليه وبسلميتنا ووحدتنا على كافة مخططات قوى الردة.

 

ولعل من أخطر التحديات التي تواجه الجبهة هي مسألة توطين السلام في ربوع الوطن، ومغالبة العقبات التي تحول دون تطوير اتفاقيات جوبا (أكتوبر 2020م) بما يجعله سلاماً مستداماً، مع التأكيد على ترابط قضية السلام وقضايا الديمقراطية والتنمية، جنباً إلى جنب مع الإسراع في إنجاز الترتيبات الأمنية وإنهاء كل مظاهر عسكرة المجتمعات السودانية، وعندما نتحدث عن مستقبل السلام، علينا أن نضع في اعتبارنا أننا مواجهون بشرح كيفية تعاملنا مع استحقاقات السلام المادية والمبدئية. المادية التي تمنع العودة للحرب وتئد كل مخططات التفتيت، والمبدئية التي تقتلع تلك المخططات من عقول ووجدان أبناء وبنات شعبنا سيما أبناء المناطق التي اكتوت بنيران الحرب.

إن التوازن في التعاطي مع التحديات والاستحقاقات المادية والمبدئية، شرط لا بد منه، لإنزال السلام على الأرض يمشي بين الناس، فأي ميل لأحد الاستحقاقات على حساب الآخر سيطيح بأحلام السلام والوحدة معاً.. وإن توهم أي طرف بإمكانية استتباب الأمن والسلام والوحدة والديمقراطية دون توفير مطلوبات عودة النازحين واللاجئين، بإعادة تأهيل موطنهم وتوفير فرص العيش الكريم لهم مع التمييز الإيجابي المطلوب في هذه الحالة، أو بدون قناعة مبدئية راسخة بجدلية السلام والوحدة والديمقراطية والتنمية، بشكل خاص في وجدان وعقول أبناء تلك المناطق التي دارت الحروب في رحاها.. يكون ضرباً من (الغول والعنقاء والخل الوفي).

 

وكذلك إذا ما تصور فريق منا بأن توفير ذلك مع فقدان الإيمان بوحدة السودان يمكنه المحافظة على السلام واستدامته.. إذ لا بد أن يؤمن شعبنا في المناطق التي تأثرت بالحرب والمستهدفة بالفتنة تحت أي عنوان، أن وحدة السودان شعباً وأرضاً حاجة موضوعية الذاتية ولذلك فإن مصيرهم مرتبط للأبد بوحدة التراب السوداني.

 

إن التعامل انطلاقاً من المبادئ المجردة فقط لن يفلح في هزيمة مخططات الردة، وكذلك فإن التصور الذي ينطلق من الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية وما يماثلها لا تلغي وحدها فرص العمل المضاد ونوعية العودة إلى حمل السلاح والحرب أو التشكيك في جدوى الوحدة.

 

إن الذي يقتلع تلك الاحتمالات هو الإجراءات المتصلة بالمبادئ والتي تجعل شعبنا في دارفور وجنوب غرب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان يؤمنون بأن أهل (المركز) في الخرطوم ووسط السودان وشماله بشكل عام، إنما هم جزء منهم، ولا ينبغي تحميلهم مسؤولية الجرائم التي ارتكبها نظام الإنقاذ وامتداداته الانقلابية بعد أبريل 2019م، التي حاولت تغبيش الوعي بطبيعة الأزمة وجذورها وسعت لتزييفها وإلباسها صبغة جهوية وقبيلة وإثنية وثقافية، وعلينا ختاماً ألا يغيب عن ذاكرتنا أن أعظم انتصار حققته ثورة ديسمبر 2018 تمثل في:

1/ تواصلها لثلاث سنوات وتجددها.

2/ سلميتها في مواجهة كل محاولات عسكرتها، بالقمع المتواصل.

3/ الحضور المميز للشباب والكنداكات والشجاعة المتناهية أمام آلة القمع.

4/ الإبداع الثقافي الفني والحركي الملازم لها.

5/ تلاحم وتنافس الولايات في السبق الحركي والإسناد.

6/ الاعتزاز بالوطن.

7/ تلاحم الأجيال في ساحتها.

8/ وحدة قوى الثورة التي قادت مواكب الاعتصام بالقيادة.

9/الرد الجماهيري على مجزرة فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر -21 نوفمبر.

 

بدأنا بشعارات تسقط بس، ونستمر الآن بشعارات لا تفاوض.. لا مشاركة.. لا شرعية.. لننتقل بعدها إلى وضع النقاط على الحروف بتحديد أولويات ما بعد السقوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى