أخر الأخبار

أتني ساحة وسوق ومقهى ثقافي في قلب الخرطوم

 

بقلم: احمد موسي قريعي

 

تبدلت الخرطوم التي كنا نعرفها وتغيرت ملامحها واختفت خلف ضجيج الاهمال وأهواء السياسيين، بل أن السودان نفسه تبدل واختلف وتغير وجهه الجميل وأصبح شيئا آخر غير السودان الذي نعرفه.

 

وفقا لهذا الاختلاف الذي أصاب بنية الدولة السودانية بالخلل في كافة جوانبها، تغير كذلك “أتني” واختلفت لياليه وأيامه، بل أن التغيير والتبديل طال حتى مرتاديه ورواده.

 

فلم تعد ساحة “أتني” ذلك الصرح الفني والثقافي والسياسي الذي كانت له اسهامات كبيرة في تطور حركة النهضة الثقافية في السودان.

 

لقد اندثرت “أتني” مثلما اندثرت الأشياء الجميلة في الخرطوم، ولم يتبق منها غير اسمها وشهرتها وأحل مكانها الخراب وحلق فوقها “طائر الشؤم”.

 

أتني سبب التسمية وتاريخ التأسيس

 

في الأصل اسمها “أثني” لكنها تنطق بالعامية السودانية “أتني” وهي عبارة عن “مقهى” و”سوق” و”ساحة” ومعرضا مفتوحا لبيع وتبادل الكتب النادرة كان يُقام يوم “الثلاثاء” من كل شهر تحت مسمى “مفروش” وحاليا أشهر مكان في العاصمة الخرطوم لبيع التحف والأناتيك والفلكور الشعبي السوداني.

 

عرفت مدينة الخرطوم كغيرها من العواصم العربية “القهاوي” الشعبية، و”المقاهي” الثقافية منذ سنة (1899م) أي في عهد “الحكم الثنائي” الإنجليزي المصري للسودان.

 

ساعد في انتشار “القهاوي” في تلك الفترة دخول الأجانب من “يونانيين” و”قبارصة” و”شوام” و”هنود” و”أغاريق” و”مصريين” إلى السودان.

 

من أشهر تلك “المقاهي” و”القهاوي” على الاطلاق “أتني” و”الزئبق” في الخرطوم، وقهوة “يوسف الفكي” في أم درمان.

 

مقهى أتني سبب التسمية

 

يُعد مقهى “أتني” من أقدم مقاهي الخرطوم قبل أن يتحول إلى “كافتريا” لتقديم الوجبات السريعة والمشروبات الباردة والساخنة، فقد تخلى “أتني” عن طابعه الأرستقراطي، وعن طريقته الخاصة لخدمة زبائنه من أهل الفن والسياسة والتجار والطلبة وصغار الموظفين.

بحسب المعلومات التاريخية المتوفرة أن اسم “أتني” أو “اتينيه” معناه باليونانية “أثينا” عاصمة اليونان، وهنالك رواية تقول إن اسم “أتني” يعود لمقهى إغريقي قديم، كانت تملكه سيدة يونانية تعيش في الخرطوم تُدعى “أتني”.

 

مقهى أتني تاريخ التأسيس

 

في شهر مارس من سنة (1958م) افتتح الخواجه الإغريقي “جورج فالفس” مقهى “أتني” في أحد زوايا عمارة “أبو العلا” الجديدة، واختار لإدارته “ثلاث” فتيات إغريقيات غاية في اللطافة والجمال والبهاء والظرف والذوق.

كان الخواجه “فالفس” في تلك الفترة رئيس الجالية اليونانية بالسودان، وأحد أكبر تجار “الطواحين” في الخرطوم.

 

بمرور الوقت أصبح مقهى “أتني” أكبر وأرقى مكان لتجمعات السودانيين في الخرطوم خاصة خلال فترة الستينات والسبعينات، فقد كان مكتظا بالزبائن الذين ينتشرون على طول ساحتيه الشرقية والشمالية يطلبون الشاي والقهوة وبعض المرطبات.

 

كانت تحيط بمقهى “أتني” أشهر سفارات العالم مثل السفارتين “الأمريكية” و”السويسرية”، وكبرى الشركات مثل “شركة شل”، والكثير من خطوط الطيران كالطيران الإثيوبي والمصري واللبناني في تلك الفترة من تاريخ الخرطوم.

بعد “10” سنوات أي في العام (1969م) آلت ملكية “أتني” للتاجر “محمد سلميان” وشقيقه “قسم السيد” فاستمر المقهى يقدم خدماته لكن على استحياء، فسرعان ما اكتفى بوجود الزبائن بداخله فقط بعد أن كانوا ينتشرون بطول ساحته الخارجية، ثم قام الملاك الجدد بشطر مساحة المقهى إلى “قسمين” قسم تم تخصيصه للوجبات السريعة، وقسم للمصنوعات الجلدية.

في أواخر سنة (1976م) انتقلت ملكية المقهى للسيد “عبد الماجد عثمان الجابري”، ومن الأمانة أن أذكر هنا أن من ضمن ملاك مقهى “أتني” السيد “فكتور عبد المسيح” ولكني لم أقف على وجه الدقة متى وكيف ألت إليه ملكية “أتني”.

 

موقع مقهى أتني

 

يقع مقهى أتني غير بعيد من “القصر الرئاسي” في الخرطوم، على تقاطع شارع الجمهورية مع شارع البرلمان، بالقرب من “المحطة الوسطى” التي كانت تقع في الجزء الغربي من شارع الجمهورية، حيث كانت “موقفا” لبصات النقل الداخلي “المواصلات”، والترماي أو “الترماج” كما كان يحلو للسودانيين “لفظه”.

 

هنالك تشابها كبيرا بين “أتني” والمحطة الوسطى فهي مثله كانت تقدم لروادها الشاي والقهوة والزنجبيل والنعناع والحلبة واليانسون، بل كانت “ملتقى” الموظفين والطلبة والعمال.

 

أتني والسوق الأفرنجي

 

كانت ساحة مقهى “أتني” تضم سوقا تمت تسميته بالسوق “الأفرنجي” لأن معظم رواده في تلك الفترة من الأرمن والأغاريق والطليان واليهود الذين غادروا السودان “مرغمين” بسبب سياسات “التأميم” المايوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى