أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عايشتها (١٠)

 

 

بقلم : منتصر ابراهيم

 

جاءت خطوة  التحاقي بحركة تحرير السودان ، بصورة تلقائية  بعد التخرّج من الجامعة في  ٢٠٠٤ ،  وكنا قد عشنا حقبة ثورية  مسبقة في مؤتمر الطلاب المستقلين  في الجامعات  ، وكان جيلنا يتبنى  فكرياً في  مشروعه السياسي برنامج الثورة السودانية  _ثورة الهامش  لتفكيك الوضعية المختلة تاريخياً كما كنا نقول  ؛ وكان  معظم خريجي المؤتمر  مهيأيين للإلتحاق بالحركات الثورية  ؛ فقد سبقونا خريجي التسعينات في الإلتحاق  بالحركة الشعبية لتحرير السودان  ، وقوات التحالف السودانية  ؛ لذلك لم أجد غرابة في أن التحق  بالتمرد  كإستعداد تلقائي  ، لكوننا نمتلك النظرية الثورية  وأفق التغيير الثوري ومحدداته بناءاً على برنامج الثورة السودانية  ؛ لذلك كان  تأسيس الجبهة الشعبية المتحدة جرى  تحت ترتيبنا  بصورة تلقائية نحن  ستة  من خريجي مؤتمر الطلاب المستقلين  اربعة من خريجي جامعة النيلين  ونحن اثنين من جامعة السودان  ، فالمؤتمر تنظيم  يقوم على القيادة الأفقية  ، وهو معنى المؤتمر من إتمار  او تداول الآراء والأفكار ؛ وهي طريقة ثورية  طبعاً لا سلطوية .

الثورة السودانية ، بالنسبة لي ميدان الثورة  حيث مكان الحرب لإنتاج النموزج وإسقاط التصورات الثورية ؛ لكن  طبعاً كان تنظيرنا للثورة  مجرد تعبئة  قائمة على توصيف الصراع  وليس تحليله  وتحليل أنماط العلاقات السائدة فيه ؛  لذلك  كان مأزق القبلية  حل مكان النظرية  ،  كانت الحركات المسلحة  تخوض الثورة وكأنها في حالة فزع اهلي  ، كل قبيلة  في متحرك منفصل او عربات منفصلة  ، صحيح كانت هناك ومضات ثورية هنا وهناك ؛ قادة ورجال شجعان  ،  كان هناك من صقلتهم التجارب  وإكتمال الوعي  بضرورة تغيير المصير  باختراقات جدية في حلبة الصراع ؛ قاتل الرجال بشجاعة واستبسال ؛ لكن في النهاية كانت معركة كارثية  على الدولة والمجتمع وخسارة فادحة   .  كنت اتمنى لو اجتمع شتات المستقيلين من الخريجين لتقييم تجاربهم في الأعمال الثورية ؛ وانا اعرف الكثيرين هم قادة ولكنهم آثرو الزهد في السياسة  ؛ كان يمكن أن تفيد مراجعاتهم وقراءاتهم النقدية حول  برنامج الثورة السودانية  ؛ التي لا تقف مسألة القبلية وحدها كعقبة ، إنما بنية النظام السياسي كله وأشكال تحالفاته ، وايضاً هناك  مصادرة القرار الوطني في حالة الثورة التي تتم في الخارج حيث الانطلاق من دول الجوار وهنا تتعارض المبادئ الوطنية مع الدوافع الثورية التي سيبدوا فيها الثوري وكأنه عميل لدولة خارجية   ؛ ففي النهاية ستكون الدولة المضيفة معادية للسودان كدولة  ، وليس للنظام السياسي ؛ وايضاً يمكن أن تجهض العملية الثورية بمصالحة بين الانظمة الحاكمة  ويصبح الثوار ككرت  مساومة بين الانظمة ؛ لكل ذلك فإن إعادة النظر حول مشروع الثورة السودانية مسألة ضرورية  ، ونقد  ما آلت إليها التجارب ايضاً من الضرورة بمكان  لمعالجة  نتائجها الكارثية  الماثلة امامنا الآن.

بعد  مؤتمر حسكنيتة مباشرة ، تم توقيع إتفاق ابوجا  ٢٠٠٦ ؛ وطبعاً كما كان واضحاً أن المؤتمر كان تمهيد خطير لضرب الميدان الضربة القاضية  ؛  ومنذ ذلك التوقيت لم تجتمع الحركات وتشرزمت  الى غير رجعة . جاءت الحركة الى الداخل  ؛ ورأيت بأم عيني التكالب على غنيمة  السلطة  كما يحدث الآن  ؛  تعيين في وظائف بلا كفاءة  وأشكال محسوبيات وفساد  عجيب ، أذكر أنه تم تعيين صبي غر في منصب الأمين العام  لمفوضية اراضي دارفور بدون اي تأهيل أكاديمي  فهو لم يكمل دبلوم لغة انجليزية في جامعة امدرمان الأهلية؛ فقط  للترميز القبلي  .

بعد مراجعات ونقاشات معمقة ؛ توصلت الى أن  الثورة المسلحة خطأ سياسي يجب التراجع عنه ، وهو طريق كارثي  ظللنا سياسياً لا نمتلك حساسية تجاهها  ؛  وذلك من عُدة نواحي ؛ منها أن الحرب تتناسب مع بنية الدولة في السودان ، فهي مصممة  للحرب وتستخدم في ذلك كل الأساليب والوسائل  ، فمشروعية العنف كامنة في بنيتها الاستعمارية  القائمة على القمع والاخضاع ، فمن الخطأ تكتيكياً أن  نعمل بنفس ادواتها ؛ لذلك  بنفس القدر  في انتقاد مشروعية العنف كن الدولة ، يجب نقد مشروعية العنف المسلح باسم النضال والثورة ، لانه في نهاية الأمر  ستتولد نفس الوضعية ونمط العلاقات  القمعية والتراتبية العسكرية  ، وشرحت ذلك بشكل اوسع في  كتاب بعنوان جدلية الحرب والسلام في السودان  ، حيث كنت ارى أن  الحرب  تتم كنوع كن السياسية ،  وتتم عمليات السلام في ذات البنية الحربية ولا تتغير شروط الوضعية ، فتعود الحرب من جديد  وهكذا تنشأ ضرورة للسلام التي لا تزيد عن كونها هدنة  يتجدد فيه النزاع بشكل أعنف  ، لذلك طالبت بصرورة نسف مشروعية العمل المسلح وأن المشروعية الثورية  باطلة بوقائع مادية  اختبرناها ، حيث التسوية السلمية  في نهاية الأمر ليست اكثر من  غنيمة لإمراء الحرب الذين يتقاسمون الدولة  تخت إسم قسمة السلطة والثروة  ؛  ما يمثل  إنهاك للدولة  واستنزاف لقدراته  ….

نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى