الحمر والمسيرية الأرض والعيش الآمن
بقلم : محمد بدوي
فى 31 أغسطس 2022 نشرت وسائل الإعلام تصريحا لنائب والي ولاية غرب كردفان السيد/ آدم كرشوم كشف عن تجميد ترسيم الحدود الإدارية بين محليتي السنوط والنهود الذي تم تحت إشراف فريق ترأسه الدكتور معاذ تنقو رئيس مفوضية الحدود فى 22 يوليو 2022 ، أضاف البيان أن القرار صدر بتوجيه من الفريق الكباشى دفع الله عضو المجلس السيادي الإنتقالي الإنقلابى فى إجتماع ضمه إلى جانب ممثلي للحمر وغياب لممثلي المسيرية أثناء زيارته لغرب كردفان، لابد من الإشارة إلا أن كرشوم عضو قيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة مالك عقار و جاء تعينه تنفيذاً لبنود إتفاق سلام جوبا، أن إصدار كرشوم لقرار التجميد ووفقا لبعض المصادر جاء إمتثالا للتوجيه رغم إعتراضه عليه على سند أن قرار الترسيم تم اتخاذه فى وقت سابق لتوليه، قبل الخوض فى مسألة الترسيم وردود فعل القرار اللاحق وطبيعته، هنالك تفاصيل جديرة بالإشارة إليها وفقاً لتصريح نشرته وكالة السودان عن الدكتور تنقو عقب الترسيم ،وهي أن الترسيم إداري وليس قبلي وفقا للحدود السابقة بين المجموعتين فى 1935،1936، وتقرير المارشال 1949 وقانونه العام 1952 إستهدف الترسيم منطقة(الكويكة)، لابد من الإشارة إلى أن الأطراف قد خاضوا صراعا قبل عام من الترسيم فى 21 أغسطس2021 فى منطقة داخل حدود “الكويكة”، عقب التقسيم تسربت خريطة لم يتثن التأكد من صحتها حملت مع الترسيم لفظتي دار حمر ودار المسيرية أثارت سؤال عن الاثر السالب لذلك مقارنة بالماضي الذي كان يطلق على المنطقة ريفي الحمر والمسيرية الذي من الوهلة الاولي يمكن الركون إلى أنه تعزيز للعيش والتمتع المشترك بالموارد.
جاءت ردود فعل الأطراف متمثلة فى تصريح لناظر الحمر منعم ابراهيم منعم منصور نشرته صحيفة سودان تريبون فى 24 اغسطس 2022، كشف أن هدفهم هو إلغاء الترسيم، اتحاد طلاب الحمر لم يختلف عن موقف الناظر بدعمه لتعليق الترسيم، جانب المسيرية استنكر تجميد الترسيم عبر تصريحات وبيانات بدأت بالناظر حريكة عزالدين حريكة، تصريح من رئيس حزب الأمة القومي المكلف، عضو المجلس العسكري فى 1985 ثم ووزير الدولة بوزارة الدفاع الأسبق فضل الله برمة ناصر، ما صدر من الأطراف يمثل جرس انذار يتطلب تدخلا عاجلا لحل الأزمة الراجحة بين الأطراف، طبيعة علاقات الإنتاج لكل من المسيرية والحمر مرتبطة بالنشاط الرعوي بما يجعل جغرافية الصراع تمتد إلى ولايات شمال وجنوب كردفان ومنطقة أبيي، البيانات المتعددة الصادرة كشفت بشكل مثير أن الإدارة الأهلية هي الفاعلة فى الراهن، بالمقابل غياب الأجهزة الرسمية، وغياب مقلق لأي مقترح أو أدوات سلمية فى حل النزاعات، وأن المؤشر يتجه لتعزيز الركون للمواجهة المباشرة بين الأطراف، بصم المشهد على أن القبيلة هي وحدة الانتماء التى هرع نحو مناصرتها قمة الإدارات الأهلية وهو أمر يمكن فهمه، لكن أن ينضم إلى ذلك رئيس حزب الأمة المكلف اللواء معاش فضل الله برمة ناصر و اتحادات الطلاب كشريحة متعلمة من المجموعتين فهذا ما يرفع سقف القلق، هنالك أدوار أخرى جديرة بالاهتمام مرتبطة بالمساهمة في التنمية، ففي مطلع السبعينات صدرت دراسات أنثروبولوجية عن أثر مشاريع التنمية و بنية علاقات الإنتاج لبعض المجموعات الرعوية، فكشفت عن حقائق يمكن أن نستخلص منها أن مشاريع الإستقرار ستنعكس سلبا على بنية الإنتاج لإرتباطها بالتجوال، يعني ذلك المرحال والمسارات أي أن حالة الأمن داخل وخارج مناطقها يجدر صيانته وهو ما ينطبق على المسيرية ايضا اضف إلى ذلك أن المسيرية ظلت فى حالة صراعات داخلية مستمرة منذ 1993 إلى 2015، وصراعات أخرى رغم محدودية نطاقها بمنطقة ابيي شملت الفترات من 2011-2015 ثم من 2019 وحتى الراهن حيث فشل مؤتمر عنتبي )11-13 مايو 2022) بين المسيرية ودينكا نقوك فى الوصول إلى نتائج جوهرية لإصطدام الأطراف بأن دور دولتي السودان وجنوب السودان جوهري فى الحالة.
لماذا جاء الترسيم؟ فى تقديري أن محاولة التسبيب بتفادي تكرار ما حدث فى اغسطس2021 غير مقنع، تصريح الدكتور معاذ أشار إلى أن ملكية الأرض هي لحكومة السودان والأطراف لهم حق الانتفاع، وهنا يثور السؤال عن جدوى الترسيم دون قناعة الأطراف بانعدام سند الملكية؟ الحالة مرتبطة بالأزمة التى صنعها قانون الأراضي لسنة 1970 من تسجيل كافة الأراضي التي لم تسجل بموجب قانون 1925 في إسم حكومة السودان، وهو ينطبق على معظم النزاعات فى أغلب ولايات السودان، أزمة القانون تكمن أنه شمل مناطق كانت جزء من سلطنات وممالك وغيرها علاقات الأرض والملكية الراسخة فيها مرتبطة بالملكية القبلية وفقا للقوانين العرفية التى سادت، بالتالي لا تعير اهتماما لقانون 1970 فكان صياغته و إجازته ونشره فى الجريدة فى الخرطوم جعله بعيدا عن واقع علاقات الأرض فى انحاء متعددة من السودان .
توقيت الترسيم جاء على تماس بداية الخريف او الموسم الزراعي على ان يعقبه مؤتمر للصلح أليس الوضع الطبيعي هو الصلح أو التسوية أو الحل ثم الترسيم فذلك سيتيح فرصة لشرح طبيعة ملكية اية مناطق متنازع حولها، بالإضافة إلى الحقوق الأخرى التى تبيحها حقوق الحيازة والانتفاع، اضافة إلى ذلك ووفقا لتصريح رئيس مفوضية الحدود ان تم الأمر بموافقة قادة الطرفين بالمركز، لعل هذا الغموض يحتاج الى إجلاء هل يعني نظار المجموعتين أم ممثليهم؟ أم قادة من المجموعتين خارج النظار؟ و ما المعني بالمركز هل الخرطوم ام عاصمة غرب كردفان الفولة؟ تستمر الأسئلة لكن لحكومة غرب كردفان عن من قام بطلب الترسيم هل هي الحكومة المحلية كجهة تنفيذية من واجبها ان تمارس صلاحيات مماثلة؟ ام اي من الطرفين المسيرية أو الحمر او معا؟ ام احدهما؟ هذه الأسئلة لاستجلاء كيف بدأ الأمر حتى توضح مسألة العلاقة التنفيذية بين المفوضية وإشراف الجهاز التنفيذي فى السياق ! ومن ناحية ثانية من يحق له تجميد قرار الترسيم هل الجهات السيادية أم التنفيذية، أم جهات أو سلطات أخرى لفض النزاعات مخولة تفويضا إداريا أو قانونيا!
فى تقديري أن الحالة مركبة مرتبطة بنزاع حول الملكية و الحدود ، بالتالي فإن آليات الحل تبدأ بالتعامل مع المنطقة المتنازع حولها و معالجة ما نتج عن الصراعات السابقة، سواء عن طريق المحاسبة القضائية أو القانون العرفي، ومن ثم التعامل مع طبيعة ملكية منطقة النزاع، تنظيم حقوق الانتفاع الناتجة عن الحيازة، تعزيز الإستفادة المنظمة أو المشتركة عبر أدوات مثل مشاريع تنموية أو غيرها تساهم فيها الدولة أو أطراف أخرى، حاولت فهم تفويض مفوضية الحدود فى هذه الحالة حيث أنها استندت على حدود قبلية (1935-1936) فى ظل خضوع السودان لتقسيمات ادارية متعددة عقب العام (1956)
تغييب دور السكان على الارض من الخطوات والمشاركة فى الحل يقود الى عدم الإعتراف بالحلول ويساهم فى تملص الأطراف من النتائج بما يعيد إنتاج الازمة!
أخيرا: لابد من إعادة تحليل المشهد مرة أخرى، من المستفيد من صنع الأزمات و هل المحنة فى منهج الحلول أم غياب دور الدولة؟ هذه الصراعات ظلت تستنزف موارد كافة الأطراف خصما على ناتج علاقات الإنتاج، مع أثر آخر مرتبط بغياب التنمية وتراجع الخدمات مما يجعلها تقود الى الإفقار للموارد الشحيحة فى الأصل و التى تواجهه ظروف سياسية الراهن الإنقلابى وطبيعية كالتغيير المناخي، مع غياب تام لمراصد التنبؤ بالأزمات، لا يوجد رابح فعلي فيما يجري من الطرفين فكلاهما قد يدفع أثمان اعلى قيمة من حق الانتفاع.
التوصيات:
1- السيطرة على التصعيد الإعلامي من الأطراف
2- مراجعة ما تم من ترسيم وفقا للتقسيمات الإدارية التى تمت على خلفية تقسيم /ضم الولايات
3- اعتماد نهج الحلول القانونية في النزاع
4- الإنتباه لمناهج التنمية و مساهمتها فى حل النزاعات، كالمشاريع التنموية المشتركة التى تستهدف المناطق المتنازع عليها وتعزيز مساهمتها فى علاقات الإنتاج لكافة الأطراف.
5- رفع الوعي بحالة ملكية الأرض وحقوق الانتفاع.
6- الحلول المرتبطة بتحويل مناطق النزاع إلى محميات غابية أو زراعية لمصلحة الأطراف .
7- إعادة ترسيم مبكر للمسارات مع توفير الخدمات البيطرية لتقليل الاحتكاك بين المزارعين والرعاة
8- ابتداع آلية للرقابة للحالة الأمنية خلال فترة المسارات بإستخدام وسائل فاعلة كمراكز لقوات أمنية أو استخدام الطائرات العمودية
9- التصدي القانوني للأطراف التى تعمل على استثارة الحالة سلبا عبر النشر الضار.
10- عدم اللجوء الى قانون الطوارئ بقدر تحفيز تسليم السلاح مقابل تعويضات موضوعية.