أخر الأخبار

البديل الديمقراطي والحل الجذري هل هناك تناقض ؟

د. احمد بابكر

يتم الآن تداول بعض المصطلحات والمفاهيم باعتبارها مفاهيم مستقلة عن بعضها البعض واحيانا متناقضة.
ومن اكثر المفاهيم استخداما هي الحل الجذري والبديل الديمقراطي والملاحظ ان البعض يصطنع تناقضا وصراعا بين المفهومين،لا أدري هل هو عدم معرفة بطبيعة كل مصطلح منهم ام فقط محاولات للتغبيش،عموما في كلا الحالتين علينا ان نحاول بقدر الإمكان طرح تصوراتنا تجاه هذه المفاهيم من باب المساهمة في عملية التنوير التي تحتاجه حركة الثورة وانتصارها….
بداية علينا ان نعرف ماهو المقصود بالتغيير الجذري وسنعرفه بلغه بسيطة وسهلة وهو تغيير يستهدف كامل بنية المجتمع او النظام السياسي او الاجتماعي والاقتصادي..
اذا التغيير الجذري في حد ذاته هو هدف وهذا الهدف بالتأكيد يحتاج لآليات، فهو تغيير لن يتم بالأماني العذبة فقط وانما عبر آليات ولذلك علينا مناقشة هذه الآليات .
التغيير الجذري يتم عبر طريقين لاثالث لهما.
1/التغيير الجذري عبر طليعة ثورية ذات ايديولوجيا معينة،سواء كانت حزب سياسي او حركة مسلحة حيث يتم عبر ذلك السيطرة على كامل مفاصل الدولة العسكرية والمدنية، وبالتالي إنزال هذه الايديولوجيا لأرض الواقع وتنفيذها دون أي معيقات..
ونجد أن هذا التغيير حدث مثلا في الثورة البلشفية في روسيا 1917 والتي قادها الحزب الشيوعي،وثورة تموز 1968 في العراق والتي قادها حزب البعث،والثورة الكوبية المسلحة بقيادة فيدل كاسترو وجيفارا والثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونج في 1945م.
هذه الثورات استطاعت ان تحدث تغيير جذري سواء اتفقت معه او لم تتفق، حيث قوضت كامل البنى القديمة لصالح بنية جديدة تعبر عن الايديولوجيا التي قامت بالثورة..
السؤال :هل هذه الآلية متوفرة عندنا الآن في السودان؟ بمعنى آخر هل الشارع الثوري الآن تحكمه ايديولوجيا معينة لها تنظيم ثوري؟
هل الشعب الثائر الآن منتظم في حركة مسلحة له ايديولوجيا محددة،ويخوض صراعا مسلحا ضد الجيش الحكومي او جيش الانقلابيين ؟
نترك الإجابة لفطنة القارئ
2/الطريق الثاني هو البديل الديمقراطي :وهو بديل يعتمد قوانين اللعبة الديمقراطية وانتشار عملية الوعي لاحداث التغيير والذي غالبا لايتم بذات سرعة الطريق الأول ولكن الأهم انه يشكل ضمانة وحماية لاستمرار التغيير لأن مستوى المشاركة الشعبية فيه يكون كبيرا غير الذي تقوم به مجموعة او حزب محدد بقوة السلطة..
وهو تغيير عادة يتم عبر الثورات والملاحم الشعبية وتشارك فيه غالبية شرائح وفئات المجتمع ولاتحكمه وجهة نظر او ايديولوجيا واحدة وهو غالبا خاضع لقاعدة الحد الأدنى لضمان تشكيل اكبر كتلة توافق شعبي سياسي واجتماعي، تعمل على صناعة دستور ديمقراطي يتيح لكافة القوى السياسية والاجتماعية التواجد ضمن المشهد السياسي بفرص متساوية دون اكراهات أمنية او سلطوية،و يتيح كذلك لكل جماعات الضغط الفئوي التواجد والتأثير في المشهد وانتزاع حقوقها عبر النضال السلمي الديمقراطي.
لذلك نحن مع طريق البديل الديمقراطي لأنه الطريق الذي يستجيب للتحديات التي تمر بها البلاد وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط وتحكم عملية التغيير…
وبما انه لاتوجد ايديولوجيا او حزب معين يقود الثورة الشعبية ولاتوجد حركة مسلحة احرزت انتصار حاسم على جيش النظام، يصبح البديل الديمقراطي هو طريق التغيير المتاح والآمن والذي يستطيع فيه الجميع عبر الخيار الديمقراطي المشاركة في تحقيق التغيير، حتى ولو على طريق الصراع والتنافس الديمقراطي الذي تحكمه قوانين العمل المدني السلمي الدستوري.
البعض يطرح تساؤلات مشروعة على شاكلة ان التغيير الديمقراطي،يكون بطيئا وربما تعتلي سدة الحكم القوى التقليدية المدعومة قبليا وبالتالي نرجع لذات تجارب الديمقراطيات السابقة والتي ساهم في تقويضها الذين أتت بهم الانتخابات لسدة الحكم..
علينا بداية أن لانقفز فوق الواقع، وان نتفهم السياق التاريخي، الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي تمر به البلاد.
ولذلك هناك بعض الملاحظات المهمة التي يجب الانتباه لها
1.ان هناك وعي جديد تشكل داخل المجتمع السوداني بالمشاركة في تحديد مصير البلاد.
2/الريف السوداني لم يعد ذلك البنك الذي يصرف فيه الولاء بدون مقابل
3/هناك تراجع كبير للقوى التقليدية في مناطق نفوذها القديم مع ظهور لاعبين جدد في الساحة، ففي المناطق التي تأثرت بالحرب أصبح هناك وعي كبير بالذات وبروز قيادات جديدة طموحة تطرح مايجذب اهتمام المواطن عبر الطرح المناطقي.
4/القوى التقليدية نفسها لم تعد ذات القوى أصبحت لها قيادات جديدة مؤمنة بالتغير واخميته ولها مشاركاتها المقدرة سواء ضد نظام الإنقاذ او الآن في ثورة ديسمبر الظافرة بإذن الله.

إذا المعادلة لم تعد كما كانت رغم عن الفرص الكبيرة التي تحظى بها القوى التقليدية والمناطقية والتقليدية في التواجد بقوة على المشهد السياسي تأثيرا وتصميما، لكن علينا ان نرتضي قواعد العمل الديمقراطي، فاستمرار الديمقراطية هو الكفيل بتطويرها وانتقال الوعي الجماهيري بالحقوق إلى وضع متقدم مما يعمل على إصلاح معادلة العمل الوطني وهناك إجراءات يجب القيام بها قبل أي انتخابات حتى تساهم في مخرجات إيجابية متجاوزة لاخفاقات الماضي وكل ذلك طبعا بعد إسقاط طغمة البرهان حميدتي
1.انجاز قانون انتخابات يستوعب القوى الحديثة التي أنجزت التغيير وعدم تجاوزها مثل ماكان يحدث في الماضي، حيث تقوم هي بالتغيير ولكن تستبعد بالانتخابات من التأثير في جوهر القرار السياسي والاقتصادي وهذا يفسر لنا فشل التجارب السابقة
للتعددية في السودان.
2/انجاز تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 تفكيكا كاملا حتى لايشكل اي عائق عبر استخدام امكانياته المادية الضخمة في تكوين تحالفات مع قيادات البنى التقليدية التي تجد دائما مصالحها مع الانظمة الشمولية والاطروحات المتخلفة التي تحافظ على ركائزها
3/انجاز تحالف عريض من كل القوى المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، حتى يستطيع التاثير في معادلة الحكم وجوهر القرار السياسي والاقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى