سيناريو الأمر الواقع
-علي جاد الله
(1)
دون خوض في تفاصيل اغلبكم على علم بها حول تطورات ما بعد انقلاب 25 أكتوبر ، أو قبله من تداعيات إعتصام القصر أو الموز تهكما. إن المشكلة في السودان تكمن في غياب الفاعل السياسي سواء أحزاب أو قيادات كاريزمية مؤثرة على الفعل السياسي، بعكس الوضع الراهن الذي تتقدمه قيادات سياسية فقيرة معرفيا وأخلاقيا وحزبيا لتمثيل دور الثورة، وهو السبب الرئيس في وصول البلاد للمرحلة الحالية.
(2)
لا يمكن لوم القوي العسكرية على إجهاض المرحلة الانتقالية، لأنهم أساسيا خارج العملية السياسية وهم أعداء الديمقراطية و التحول الديمقراطية ويعملون بكل قوتهم حتى ولو أدى ذلك إلى قتل مئات الآلاف أو استعمار البلاد. فكان من الأولى عدم مشاركتهم منذ البداية، لكن القوى السياسية منحتهم مشروعية الفعل السياسي وإدارة شؤون البلاد بتوقيع الوثيقة الدستورية التي منحتهم السلطة العليا في البلاد، فتحولوا إلى حزب سياسي يمتلك قوى مسلحة ويحتكر الدولة ويسخرها لخدمة بقاءه في السلطة .
(3)
بعد انقلاب 25اكتوبر، رفعت لجان المقاومة شعار ( لا تفاوض، لا شراكة ، لا شرعية)، إن شعار (لا تفاوض) يفهم في حدود المناورة التفاوضية. ولكن بعد مرور أكثر من 5 أشهر ما زال الشعار مرفوع بعد قتل عشرات الثوار بدم بارد أثناء المواكب. إن ما يدعو للدهشة أن القوى التي رفعت الشعار وتوحدت في مواقفها بعد الإنقلاب، لم تستطع تقديم نفسها في تحالف سياسي أو تقدم مشروع حد أدنى تتفق فيه على أجندة (لا تفاوض) وتقدم من خلاله كيفية استلامها للسلطة وإدارة المرحلة الإنتقالية, دون أن تتفاوض مع القوة العسكرية (القوات المسلحة- الدعم السريع- الحركات المسلحة).
(4)
منذ ما قبل المرحلة الإنتقالية، غالبية شؤون وموارد السودان السياسية والمالية تحت تصرف المحاور الإقليمية الدولية سواء الإمارات والسعودية أو مصر. كما امتدت التدخلات حتى أن المحاور أصبح لديها حلفاء في سواء الحرية والتغيير أو الحركات المسلحة.
طرحت الإمارات مبادرة للتسوية، وكل ما خرج منها تسريبات غير مؤكدة، ولا أحد يعلم نوايا الإمارات أو مصر التي تؤثر على مواقف الجيش وتؤثر على البرهان.
هذا الوضع يضع البلاد في وضع غير محسوب العواقب خاصة مع الإنهيار الاقتصادي وارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير الجذري.
(5)
أخيرا، لجان المقاومة وتجمع المهنيين عبارة عن جماعات ضغط وليست أحزاب أو حركات سياسية؛ ولا يقررون لوحدهم مصير الشعب السوداني. بالنسبة لتجمع المهنيين سيطر عليه الحزب الشيوعي، ولجان المقاومة النشطة هي التي تقع ض
من حواضن الحزب الشيوعي السياسية؛ لذلك شعار ( لا تفاوض) في الأساس موقف الحزب الشيوعي من العملية السياسية لأنه غير مرحب به في الشراكة حتى مع القوى السياسية ناهيك عن العسكريين، لأن الحزب الشيوعي انقلب على حكومة حمدوك الأولى، بسبب موقفه من تنفيذ توجيهات البنك الدولي والإصلاحات الاقتصادية. إذا استمر الوضع المنسد سياسيا، وقوات الشرطة تضرب وتنهب المتظاهرين وغيرهم، سيضطر الناس إلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم قبل أن يحملوه بحثا عن حكم أنفسهم.