أخر الأخبار

توازن الضعف محمد الشابك – 20 ديسمبر 2021

 

لعل أوضح رسالة أرسلتها الجماهير السودانية يوم أمس للقابضين على زمام الأمور حالياً وللداعمين وللمراقبين الدوليين للمشهد السوداني أن الإتفاق السياسي بين البرهان ورئيس وزرائه لا يمكن أن يمضي قدما بالفترة الإنتقالية. هذا ليس بناتج عن رفض الشارع المطلق للإنقلاب فحسب ، بل أيضاً لأن الطرف الثاني الرئيسي فيه وهو رئيس وزراء الإنقلاب قد أدرك المأزق الذي وضع نفسه فيه وهو لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية ، وقد عرف عنه التردد واللاحسم ، في تكوين حكومة حتى ولو على شاكلة تعيينات المجلس السيادي التي كونها على عجلة رئيسه البرهان ، فأصبح الجميع في حالة وجوم وتوقفت عجلة الحياة عن الدوران.

المشهد السوداني يمكن أن يحكي حالياً عن حالة يمكن تسميتها بتوازن الضعف! فالكل ضعيف وفي حالة تجمد وبلادة وإنعدام للحيل وقصر في الأفق. فلا المكون العسكري بقادر على حسم الأمور سواءاً كان بالإنقلاب أو بغيره ، ولا رئيس الوزراء التائه في عليائه بقادر على اغتنام أي من الفرص التي أتيحت له وتحقيق أي نوع من التقدم ، ولا أحزاب الحرية والتغيير الجريحة قد تجاوزت مرارتها وخيباتها ، ولا موقعي اتفاق جوبا الذين توقفت بهم عجلة الزمان ولم تلهمهم الثورة أي شئ وبات جل همهم محاولة الحفاظ على الغنائم بل وجمع المزيد منها إذا أمكن. وحتى قوى الثورة الأفقية المتجددة التي قادت أو قادها المد الثوري الملتهب حتى وقف حصانها على أعتاب القصر في حيرة من أمره أيقفز السور إلى المجهول؟ أم يعود أدراجه مترقباً للحظة تاريخية أخرى؟ قد إختار الأخيرة مرغماً على أمره. الاستثناء الوحيد في المشهد المضطرب هو حركة الجماهير وإرادتها التي حددت مطالبها متمسكة بالحرية ومدنية السلطة المطلقة وابعاد الجيش عن ساحة المعترك السياسي.

والمتابع لحديث بعض القنوات الفضائية يوم الأمس قد يلحظ تحولا في المشهد واللغة والتعاطف من قنوات كانت تعتبر داعمة ومؤيدة لإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ، مما يوحي بأن بعض المحاور قد تجاوزت الثقة والإيمان المطلق في قدرة المكون العسكري الحالي على حسم الأمور وأن البحث عن بديل جاري هذا إذا لم يكن قد حسم سلفا. يعضد قولي هذا حديث السيدة أماني الطويل (عنوان المقال مقتبس منها) ، خبيرة السودان بمركز المخابرات المصري المسمى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لقناة الجزيرة يوم أمس والتي أعربت فيه بصورة ما عن حتمية قيادة بديلة وحين سألها المذيع إذا كان حميدتي من الممكن أن يكون هذا البديل ، قالت أن في هذا تقزيم للسودان ولشعب السودان في إشارة واضحة وصريحة وضربة مزدوجة للقيادة الحالية، وإذا تحدثت أماني الطويل بكل هذه الصراحة فأستمعوا لها.

وبينما يبدو أن الثورة السودانية تعيش الموجة الثورية الثانية والتي هي في عنفوانها تشهد حالة من حالات الهيجان والاضطراب الاجتماعي والسياسي سينعكس قريباً في شكل من أشكال التدهور الاقتصادي وصراع قبلي وإثني متصاعد في إقليم دارفور والذي بدأ يعيد للذاكرة فترة النزاع في بداية الألفية قبل أكثر من عقد من الزمان ، وصراع أخر في مناطق كردفان وسلام غير مكتمل ، واضطرابات في الإقليم الشرقي على الحدود مع الجارتين إثيوبيا وإرتريا يبدو أن الجميع وبالتحديد قوى الثورة السودانية الديمقراطية تحتاج لوقفة وتحتاج لتكاتف أكثر وللتفكير في مزيد من الحيل حتى تحقق أهداف الجماهير والتي حددت بكل وضوح وهي مدنية السلطة وإبعاد الجيش عن السياسة والحرية والعدالة.

إن مشهد قنابل الغاز في ندوة تجمع المهنيين ، وطرد إبراهيم الشيخ من مواكب 19 ديسمبر وطرد مراسلة إحدى القنوات الفضائية هي من المشاهد الصادمة التي لا تشبه ثورة ديسمبر والتي يجب إزالة حالة الحنق عنها وإعادتها إلى مسار السلمية المطلق الصحيح الذي حققت بفضله كل المكاسب التي تحققت اليوم.

إن على جميع قوى الثورة الديمقراطية التحلي بالإرادة السياسية اللازمة لبلورة موقف واضح بأهداف واضحة ورؤية جديدة، إن الميثاق السياسي الذي تصاغ منه نسخ مختلفة هذه الأيام ويعكف الجميع حالياً على صياغته لا ينبغي أن يكون الغاية في حد ذاته ، إن الأهم من ذلك هو التخلي عن شيطنة الجميع للجميع والاتفاق على أهداف المتبقي من المرحلة الانتقالية وكيفية تنفيذها وفقاً للرؤية الجديدة. لا يمكن تنفيذ الأهداف من غير تفاوض ، حتى حين استسلمت ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية كان هناك تفاوض وضع شروطه المنتصر، ولم تنجح ثورة أكتوبر إلا بالتفاوض. وفي هذا الإطار هناك سؤال تاريخي يجب على جماهير الشارع السوداني والقوى الديمقراطية الحية الإجابة عنه والتفكر والتدبر فيه جلياً ففي الإجابة عنه خطوة كبيرة إلى الأمام ومفتاح لمعظم الأبواب. إذا كان الهدف الأسمى الذي يسعى له السودانيون جميعا في هذا الحراك هو تحقيق مدنية الدولة السودانية وإقامة النظام الديمقراطي ، فالسؤال هو وبالرغم من كل التضحيات التي قدمت يبقى عن ماهو الثمن الذي يمكن للجماهير تقديمه مقابل ذلك وما هو نموذج العدالة الإنتقالية الذي يجب ان يتوافق عليه الجميع لتمضي مسيرة البلاد التي تعطلت كثيراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى