*نورين محمد يكتب .. الدولة السودانية .. غياب الإرادة السياسية وتوفر الإرادة الشعبية*
ستة وستون عاما مضت على استقلال السودان من الإحتلال البريطاني في 1956 قضى منها 57 عاما تحت وطأة الحكم العسكري عبر الإنقلابات العسكرية ستة وستون عاما لم يشهد خلالها السودان استقرارا سياسيا الأمر الذي اقعد البلاد وحال دون تقدمها حتى الآن نسبة لغياب الفعل السياسي الحقيقي الذي يقود لمارسة سياسية تفضي لنظام ديمقراطي حيث فشلت الأحزاب السودانية بتياراتها المختلفة في الاتفاق على أية صيغة توفيقية بينها حول نظام الحكم والدستور واستمر الخلاف لعدة سنوات بعد الاستقلال
وايضا غياب الحريات طوال فترات الحكم العسكري واطماع العسكريين في السلطة علاوة على الإنقسامات الحادة بين السياسيين بشأن ادارة الدولة والتي تفضي غالبا الى انقلاب عسكري جديد اما عسكري كامل او بإيعاذ من قوى سياسية وبين من بين اسباب الازمة في السودان وبين هذا وذاك يظل للشارع الكلمة الأخيرة.
انقسامات سياسية تقود لإنقلابات
شهد السودان منذ الإستقلال العديد من الإنقلابات العسكرية و حتى نكون دقيقين ظلت معظم تلك الإنقلابات تأتي بإيعاذ من قوى سياسية بدءا بإنقلاب عبود 1958 اي بعد عامين فقط من الإستقلال والذي قام فيه عبدالله خليل بتسليم الحكومة التي كان هو رئيس مجلس وزرائها والزعيم اسماعيل الازهري رئيس لمجلس سيادتها للواء ابراهيم عبود مرورا بإنقلاب جعفر نميري 1969م بمساعدة ضباط محسوبين على الحزب الشيوعي والاحزاب القومية العربية بعد اتفاق البرلمان على حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وليس انتهاءا بإنقلاب 1989م بقيادة عمر البشير بمساعدة الجبهة الإسلامية واجمالا دون ذكر المحاولات الإنقلابية الفاشلة والتي هي ايضا من خلفها قوى سياسية نعلم يقينا ان الشعب السوداني هو الوحيد الذي ينادي بالديمقراطية ويظل يدفع الثمن غاليا خلال مطالبته المستمرة بالديمقراطية ولكن المؤسسات التي يجب ان تدير هذه الديمقراطية وتعمل على تحقيقها هي اول من تخترق هذه الديمقراطية عبر بوابة الجيش والذي من واجبه ان يحمي هذه الديمقراطية وليس الإنقضاض عليها.
غياب الحريات ادى لضعف الاحزاب السياسية
واذا حاولنا ان ننصف هذه القوى السياسية من اقصى اليمين لأقصى اليسار نستطيع ان نقول ان الفترات الطويلة التي حكم فيها العسكر في السودان اضعفت هذه الأحزاب بسبب غياب الحريات والكبت السياسي الذي لازم فترات الحكم العسكري في السودان مثل حل الاحزاب السياسية ومنعها من ممارسة نشاطها ومصادرة الحريات وغيرها من الاسباب التي حالت دون إحداث عملية بناء قاعدي حقيقي لهذه الأحزاب يمكنها من القيام بدورها السياسي الامر الذي يقود لحالة من العجز او(الخرخرة) السياسية فتتجه تلك الأحزاب للإستيلاء على السلطة بواسطة العسكريين كما حدث في انقلاب نميري بمساعدة الشيوعيون والاحزاب القومية العربية لذلك يجب ان تعي احزابنا السياسية ان اللجوء للجيش لحل الخلافات السياسية دليل واضح على عجز هذه الأحزاب وعدم مقدرتها على ممارسة سياسية رشيدة تفضي لإستدامة الديمقراطية
الشعوب تصحح اخطاء الساسة والعسكريين
مقابل تاريخنا الحافل بالإنقلابات العسكرية والكم الهائل من المحاولات الإنقلابية الفاشلة وطوال فترات ظلام الشمولية وعهود الإستبداد والحكم العسكري يظل الشعب السوداني دائما صاحب الكلمة الأخيرة عبر وسائله المجربة عندما يضيق زرعا بالقوى السياسية وممارساتها او ينتفض ضد الحكم العسكري والطغيان يخرج الى الشوارع شاهر هتافه وكان ينتصر دائما وكلما كان النظام قمعيا ومستبدا وقاهرا لشعبه كانت الثورات اعظم واقوى بدءا بثورة 21ـ اكتوبر 1964م ضد نظام ابراهيم عبود والتي اطلق شرارتها طلاب جامعة الخرطوم الذين تحدوا حظر النشاط السياسي وعقدوا مؤتمرا وقعت خلاله اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن سقط على إثرها الطالب احمد القرشي والذي تم تشييعه في موكب شارك فيه اكثر من 30الف شخص خرجوا منددين بسقوط حكومة عبود بدعم قوي من اعضاء هيئة التدريس في الجامعات السودانية واستمرت المظاهرات وعمت معظم مدن السودان حتى تم تسليم السلطة لحكومة مدنية , مرورا بثورة 6 ابريل 1985م التي اطاحت بنظام نميري الذي استمر مدة 16 عاما استلم خلالها وزير الدفاع وقتها والقائد العام للقوات المسلحة المشير عبد الرحمن سوار الذهب وقام بدوره بتسليم السلطة لحكومة منتخبة برئاسة رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بعد فترة انتقالية لم تتجاوز العام الواحد كمثال للقائد العسكري الوطني الذي نفتقده اليوم˝وحتى ثورة 19 ديسمبر 2018م التي طالبت بسقوط عمر البشير الذي قاد انقلابا ضد حكومة ديمقراطية برئاسة الصاد…