لجان المقاومة بين الدور الأصيل والوصاية السياسية

 

محمد الأمين ابوزيد

تمثل تجربة لجان المقاومة تطورا نوعيا في حركة المعارضة والمقاومة والاحتجاج ضد السلطة منذ انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو 89، اذ تشير تجارب النضال الوطني السابقة الي اعتماد الحركة الجماهيرية في مقاومتها للأنظمة الشمولية على القوى السياسية وتحالفاتها والنقابات المهنية وهذا ماحدث في ثورة أكتوبر 1964 (تحالف الأحزاب وجبهة الهيئات النقابية) وفي انتفاضة مارس – أبريل 1985(تحالف تجمع الشعب السوداني، والتجمع الوطني، والتجمع النقابي).
ترجع جزور فكرة لجان المقاومة الي ميثاق التجمع الوطني الموقع في 21 أكتوبر 1989 من 11 حزب سياسي و51 نقابة والذي أكد في إحدى فقراته على تكوين لجان للتجمع بخطة تفصيلية لمقاومة النظام على مستوى القرية والمدينة والحي، وهي ذات الفكرة التي تطورت للجان الأحياء لمقاطعة انتخابات 2010، ولجان العصيان المدني 2013 عقب انتفاضة ديسمبر، ولجان المقاومة لاحقا في 2017.
تميزت لجان المقاومة كتنظيمات شعبية وجماعات ضغط تقوم على مهام حشد الجماهير الشعبية على مستوى الأحياء والمدن والقرى، بقدر عالي من الاستقلالية والديمقراطية في التنظيم، والقدرة على الحركة والتوحد حول الهدف، معتمدة على الثقة والمعرفة بين عضويتها مكنها ذلك من تجذير علاقتها بالجماهير، وبالنتيجة حشدها نحو الأهداف الوطنية في إسقاط النظام وإقامة البديل الوطني الديمقراطي.
ان الطبيعة الأفقية في التنظيم والمهام التعبوية التوافق حولها، جعلت لجان المقاومة تتجاوز المكون القاعدي المرتبط بالحي الي مستوى الوحدات بالمؤسسات الحكومية والقطاعات المهنية.
اعتمد نجاح ثورة2018 ديسمبر بالتنسيق العالي بين التنظيمات التي قادت الثورة الأحزاب السياسية وتجمع المهنيين ولجان المقاومة والتنظبمات المدنية والتي توجت في يناير 2019 بتحالف قوي الحرية والتغيير، بينما حافظت لجان المقاومة على استقلاليتها وديمقراطيتها ودورها التعبوي المقاوم.
لعبت لجان المقاومة دورا بارزا في إدارة الاعتصام والتحشيد له وفي تحقيق أهدافه في الضغط لاسقاط النظام، وايضا لعبت اللجان دورا بارزا في استعادة كفة التوازن السياسي من خلال مليونية 30/6/2019بعد فض الاعتصام 3/6/2019 من قبل اللجنة العسكرية ورفصها التعامل مع قوي الحرية والتغيير كطرف مفاوض لتسليم السلطة للمدنيين.
بعد توقيع الوثيقة الدستورية والسياسية وتشكيل الحكومة الانتقالية ومن خلال الحفاظ على طبيعتها الاستقلالية الديمقراطية وعدم دخولها المباشر في العملية السياسية، لعبت لجان المقاومة دورا رقابيا شعبيا على سياسات الحكومة الانتقالية بتسيير المليونيات من خلال أدوار بارزة اهمها:
-مطالباتها الدايمة بتشكيل هياكل السلطة الانتقالية. – رفض السياسات الاقتصادية.
-المطالبة بالقصاص وتحقيق العدالة.
-كشف نتايج التحقيق في لجنة تحقيق فض الاعتصام.
-المطالبة بوقف تغول المكون العسكري على مهام مجلس الوزراء في بعض الملفات.
-سيطرة المكون العسكري على مقدرات البلاد الاقتصادية.
في ظل تعقد المشهد السياسي وتلكؤ الحكومة الانتقالية في إنجاز مهام الفترة الانتقالية، حاولت العديد من الأطراف استغلالا للظرف حرف لجان المقاومة عن دورها وطبعتها بتحويلها لحزب سياسي، ولكن فشلت هذه المحاولات لعدم معرفتها بطبيعة اللجان وطبيعة تنظيمها، وعدم إمكانية تحولها لحزب سياسي نسبة لعدم قيامها على فكرة سياسية وإنما على تنسيق سياسي تعبوي.
في ظل تنامي حالة الانقسام السياسي في صفوف الحركة السياسية و المحاولات المتعددة لاضعاف تحالف قوي الحرية والتغيير وشيطنته، تلك المهمة التي اطلع بها المكون العسكري والفلول من جهة، وبعض القوى المحسوبة على الثورة من قوى مدنية وحركات مقاومة مسلحة ، تلك الأجواء التي مهدت لانقلاب 25اكتوبر الذي الغي الشراكة الانتقالية وعطل الوثيقة الدستورية الحاكمة وارجع البلاد الي ماقبل 12 ابريل 2019.
في سياق هذا التطور السياسي والردة التي كانت متوقعة بحسابات قراءة المشهد السياسي الماثل حينها،والنظر الي تحالف الردة والقوى المنضوية تحته على تناقضات مصالحها، يحتم على كافة قوي الثورة التنادي لاصطفاف ثورى وبناء جبهة شعبية للتغيير والانتقال الديمقراطى ومواجهة الانقلاب وقواه، انطلاقا من حركة الرفض الشعبي الواسعة التي عبرت عن نفسها في مليونيات الرفض الممتدة من لحظة الانقلاب وحتى اللحظة التاريخية الراهنة ،والتي قادتها لجان المقاومة في ظل انقسام الحركة السياسية وتجمع المهنيين…
تعتبر لجان المقاومة تجربة فريدة انتجتها عبقرية شعبنا وقواه السياسية لمواجهة نظام الانقاذ هذه التجربة بتكاملها مع حركة نضال الأحزاب والمهنيين وكافة تنظيمات المجتمع هي من قادت شعبنا لهزيمة الديكتاتورية الانقاذية. فالواجب يقتضي المحافظة عليها وعلى فرادتها واستقلالها وديمقراطيتها وشعبويتها،وصفاء تنظيمها المعتمد على المشتركات وليس بشرنقتها وتسميم أجواء التوحد والتفاعل بينها بنقل امراض الحركة السياسية في العمل العام إليها.
ان القوى التي عملت على تقسيم جبهة الثورة(مهنيين، وقوى مدنية) وقواها اتساقا مع نظرة ذاتية ضيقة ونزوع للتفرد في العمل السياسي العام وجريا لتحقيق بعض المكاسب السياسية الزائفة التي يستحيل الوصول إليها في هذا الظرف البالغ التعقيد، هي ذات القوى التي تحاول تقسيم لجان المقاومة ووضعها في مواجهة قوي الحرية والتغييربالمزايدة عليها، وتجييرها لصالح خط سياسي بالافتراق عن طبيعتها المستقلة والديمقراطية، وبوضع المتاريس أمام وحدة قوى الثورة فى جبهة شعبية للتغيير ومقاومة الانقلاب.
هذا التوجه قصير النظر لامحالة مهزوم لان الثورة في هذه المرحلة بالذات وبعد الفرز الكبير في قواها الاجتماعية والسياسية داخليا وارتباطات قوي الردة العسكرية والمدينة بقوى خارجية تضمر العداء لثورة شعبنا، يتطلب بناء أوسع جبهة شعبية للمقاومة مستفيدة من اخفاقات التجربة السابقة ورفض اي اشتراطات مسبقة في العمل الجبهوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى