أخر الأخبار

اتفاقية سلام جوبا حصان طروادة السودان

 

بقلم:احمد موسي قريعي

قد يتساءل البعض ما علاقة سلام جوبا بأسطورة حصان طروادة الخشبي؟ بالتأكيد أن هنالك تشابها كبيرا بين الأسطورة التاريخية وبين اتفاقية سلام جوبا، بحسب الأسطورة أن الإغريق بعد أن فشلوا في دخول مدينة طروادة بعد حصار دام (10) سنوات بالكمال والتمام فكروا في حيلة تمكنهم من دخول المدينة وتحفظ لهم ماء وجوههم، فاهتدوا إلى صناعة حصان من الخشب ظاهره الدعوة إلى السلام وباطنه جيوش تحصد الرقاب وتقطع الأرزاق، وتعيس فسادا في تلك المدينة الآمنة، وهذا بالفعل ما قامت به حركات دارفور المسلحة، بعد أن فشلت في تحقيق النصر بالحرب نالته عن طريق (سلام طروادة).
فأصبحت الخرطوم ساحة قتال تعج بالجيوش وبالعتاد والسلاح، وبدل أن يحصد شعب السودان الأمن والأمان والسلام، حصد خيبات تتبعها خيبات، وحرب متوقع أن تشتعل تحت أي لحظة.
أتدرون لماذا؟
الإجابة لأنه ما تم في جوبا لم يكن سلاما، بل حيلة وخداع ليدخل (حصان طروادة) السودان حاملا معه الخراب والدمار والارهاب، وقلة من الانتهازيين والنفعيين في الداخل والخارج اتحدوا وتواثقوا وتعاهدوا من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة، ضاربين بأحلام الشعب السوداني في السلام والتنمية والرفاهية (الطرشة) و(الطناش).
وهكذا صار (فشل السلام) صناعة سودانية، وعلامة مسجلة باسم (الإخوة النفعيين) وهم (شِلة) قليلة في الخارج اتخذت الحرب طريقا إلى (الكراسي)، و(شِلة) أخرى في الداخل مكونة من (عساكر ودعم وأحزاب) قرروا جميعا في لحظة (غفلة) اقتسام (كعكة) السلطة والثروة في السودان، بعيدا عن الشعب السوداني صاحب المصلحة الحقيقي في السلام.
باختصار ارتبط السلام في السودان بصناعة الفشل، لأن صناع السلام في بلادنا هم بالأساس (طلاب سلطة) وما أكثرهم، بل ما أكثر الذين يستترون بملف السلام مقابل الوصول إلى السلطة، لأنهم أدركوا أن أقرب طريق إلى السلطة هو طريق (السلام) أو(الانقلاب العسكري).
هذه الحقائق تبدو واضحة وجلية لكل من ينظر إلى (ملف السلام) بتجرد وحيادية، بل يجد في (سلام طروادة) كل شيء إلا السلام لأن من تعاهدوا في جوبا تجار (حرب وسلام) وعلينا نحن (الشعب الغلبان) دفع فاتورة الحرب و(كمان) السلام من رزقنا وقوت عيالنا.
منذ زمن بعيد قد أدرك تجار الحرب وسماسرة السلام أن التجارة في آلام وخداع الناس هي التي تحقق الربح الوفير، وعرفوا إذا (بارت) تجارة الحرب فإن تجارة السلام لن تبور.
الغريب أن أسهل تجارة في بلادنا هي (تجارة السلام) لأنها لا تتطلب أي رأس مال بل قليل من الجرأة، وكثير من (الجعجعة)، وبندقية واحدة
لذلك في بلادنا أكثر من (مليون) اتفاقية أو مبادرة سلام أو إعلان مبادئ، ومع ذلك المحصلة الأخيرة دائما (أصفار) غير متناهية من الفشل والعودة إلى (مربع الحرب)، أو ما يعرف بمتلازمة الحرب والسلام مرة أخرى، أما السلام فلا يوجد إلا في أذهان تجار الحرب، وفي تلك المواثيق والأيمانات المغلظة التي لا تُقدم شيئا أو تؤخره.
والآن إلى السؤال الافتراضي الذي يدور في أذهان كل السودانيين.. هل حققت جوبا السلام الذي يتطلع إليه أهل السودان؟
الحقيقة جوبا كمثيلاتها من محطات ملف السلام، لم تُحقق السلام في السودان ولن تفعل، بل زادت عليها أن أدخلت (حصان طروادة) إلى قلب السودان ليتمكن دعاة السلام من الحركات المسلحة والانقلابيين من (وأد) أحلام السلام، قبل أن “تعود ريما إلى عادتها القديمة” لكنها هذه المرة ستكون الأعنف في تاريخ السودان المعاصر.
لعلكم أدركتم أن أي سلام لا يأتي من إرادة شعب السودان، فهو سلام زائف ومتوهم، لأن جوبا بدأت غلط مثلها مثل (أبوجا، والدوحة، وطرابلس، والقاهرة، ونيفاشا) وسائر اتفاقيات الإنقاذ.
على الرغم من أن جوبا تمت تحت شرعية الثورة ودماء الشهداء، إلا أنها كانت بعيدة عن السلام وواقع السودان.
وعليه لا ينفعها الترقيع وجميع أدوية الدنيا لأن جوبا ولدت ميتة، ولا يملك أحد أن ينفخ فيها الروح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى