أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عشتها :

 

الثورة بين النظرية والواقع .(١)

 

بقلم منتصر ابراهيم

 

قد يطول سرد فكرة التحاقي بحركة تحرير السودان وعضوية المؤتمر العام الذي جاء بمناوي رئيساً للحركة حتى اليوم منذ اواخر عام ٢٠٠٥ لا اذكر التاريخ بالضبط ، لذلك ارى تأجيل سرد قصة عضويتي لمساحة أخرى ، بين ثنايا سرديات هذه الأيام.

ساتولى ،”هنا سرد مبعثر عن رحلتنا الى (الميدان ) ؛ هكذا كنا نقولها مفخمة بالبطولة والرجولة والثورية ، فالميدان هنا رحلتي اختصرت على طواف حول اهم مناطق دارزغاوة ، ولاحقاً المرور بديار البرتي والبرقيد في (كتال ) لاحقاً اصبح اسمها دار السلام ، والى حيث موقع انعقاد مؤتمر حسكنيتة التابعة لإدارية اللعيت جار النبي في قطاع الجنوب مروراً من مهاجرية .

كان العبور من قطاع الشمال الى الجنوب ، تُعد مغامرة تتطلب تكتيكات عجيبة في مرور الليل وما يتطلبه من هدوء يشبه حركة الفهود .

كانت بداية رحلتنا من الخرطوم ، تحت إمرة أحد أعز اصدقائي حتى اليوم ( مصطفى داؤود محمد ) ، الذي تولى ترتيب أمر قيادة اعضاء الحركة الى هناك كنا خمسة ، بغرض اقامة المؤتمر الذي كان يجري الترتيب له بشكل منسق .

سافرنا الى شمال دارفور ، وعبرنا الى اول مناطق ( التروبورا ) اول نقطة كانت منطقة ( كفوت) في الطريق الرابط بين الفاشر وكتم ، ممر ضيق في نقطة جبلية عبرنا منها الى ابو سكين ، ومنها إلى بير مزة حيث اقامة مناوي ( كان يسمى أمين _يعني الامين العام للحركة ) ، بير مزة هي محطة رئيسية لانتشار جيش الحركة ومقر القائد العام جمعة حقار ، عبارة عن وادي موسمي ذو رمال بيضاء . تم استقبالنا هناك وكالعادة كان مناوي ملفت للنظر بطريقته الاستعراضية _ عدد من المسدسات وحراس منتشرين بصورة دراماتيكية ؛ بينما كان القائد جمعة حقار يتميز بالبساطة والهدوء ، جمعة حقار كان على قدر عدد الكلمات التي ينطقها بالعربي كان يبدو وكأنه يحلق في عوالم من الانجذاب الروحي ، كان فقط يترحم على الشهداء ويحي الأبطال بشكل مؤثر .

اتذكر ولن انسي أول المواقف الحادة مع مناوي ، حينما قام أحد رفاق الرحلة بما يشبه الوشاية ( الفاضل التجاني وكأنه يرفع تقرير حينما اتيحت له فرصة للحديث في جلسة الاستقبال اعلاه ؛ تحدث عن أن هناك من قاموا بالعمل منفردين باسم الحركة بعيداً عن التنسيق مع الامانة العامة ، مما سبب لنا ارتباك في الجامعات ؛ وكان الفاضل يقصد عملنا في الجامعات عبر الجبهة الشعبية المتحدة UPF التي اسسناها باوامر وتنسيق مع عبد الواحد محمد نور ، وطبعاً في الواقع كانت هناك حركتان قبل الانقسام الكبير بعد المؤتمر العام الذي قاطعه عبدالواحد . انتزعت فرصتي في الرد على مناوي واحد مساعديه اسمه مبارك عيسي نهار ، حينما أشاروا لي بكل تجهُم وهرش : فقال مبارك موجهاً الحديث لي : من الذي سمح لكم بالحديث بإسم الحركة ؛ أجبته هكذا ، نحنا ثوار لا نستأذن أحد ، حتى انتم من الذي سمح لكم برفع السلاح نيابة عن الآخرين ، وهل هناك من سألكم عن ذلك ؟!

انتهى الإجتماع ، وفي القلب شيئاً من حتى وتذكرني بحقيقة نفسي باني لا اصلح للعمل في هيئة هرمية باي شكل من الأشكال ، لاني لا أعرف التكلف فاشل تماماً في ضبط الأعصاب وكلمات المجاملة ، ولاحقاً عرفت أن مبارك عيسي الذي نجر لنفسه منصب مساعد الأمين العام كان مجرد معرص لمناوي ليستفيد من مساحة تأجير عرباته لنقل النازحين حيث كان يمتلك اسطول من عربات ال ZY . ومن بير مزة انتقلنا لاحقاً الى واحة الجنيد متوغلين نحو الشمال ، والزغاوة يسمونها (الجنيك ) ، وهي واحة في قلب محيط صحراوي واسع ، يقال أن اولى المواجهات بين الزغاوة والعرب الابالة كانت في واحة الجنيد في منتصف الستينات تقريباً ، ولابد أن ذاكرة المكونات القبلية للطرفين تختزن هذه الذكرى الدموية ؛ حتى أنا أذكر أن الزغاوة ونحن نقف على أطراف الواحة كانوا يشعرون وكأنهم قد حققوا انتصاراً في حرب مقدسة مدينين بها للأسلاف .

قصينا فترة في هذه الواحة لترتيب أوراق المؤتمر العام للحركة ، فقد كنت رئيس لجنة الأوراق بعضوية الفاضل التجاني والأستاذ محمد إبراهيم رجل اعمال كان مقيماً في دبي وعلي دوسة رئيس اللجنة العليا .

أذكر من المشاهد الرئيسية أيام التمهيد للمؤتمر العام ، كانت تأتينا زيارات من يان برونك موفد الامم المتحدة الذي طردته حكومة الخرطوم لاحقاً و روجر ونتر مساعد مدير وكالة التنمية الامريكية وروبرت زوليك ممثل وزارة الخارجية الامريكية الذي اصبح لاحقاً بعد توقيع إتفاق ابوجا اصبح مديراً للبنك الدولي ، وكنت أتساءل وربما حتى هذا اليوم ماهي الصلة بين انجازه إتفاق ابوجا ورئاسته للبنك الدولي .

(لاستعراض هذه الحقبة هناك سرد جميل وموسع لأليكس دي وال في كتابه (The real politics of the horn of Africa )

من خلال زيارات هذا الثلاثي الرهيب ، استقر في يقيني ،أن حرب دارفور وكل هذه التمثيليات التي عشناها والدراما الثورية ، كانت حرب امريكية صرفة from A to Z . لذلك حينما استشهد كثيراً بقراءة محمود مامداني اكون كمن يستشهد بالنص لاستعراض الصورة ، فكما يقال الخيال يتفوق على المعرفة _فالمعرفة محدودة بينما الخيال يحيط بالعالم .

هناك ملاحظة عجيبة في هذه الدراما ، أن قادة الحركات في ذلك الوقت ، تحديداً من ابناء الزغاوة كانو من البدو ؛ اي من غير المتعلمين وأبناء الحضر والمدن الكبيرة ، وحتى لو وجدنا من ابناء الحضر ، نجده في ادوار ثانوية ؛ وهناك طبعاً حكاية إبعاد دكتور شريف ومنعه من دخول الميدان والتأثير ايجابياً في قيادة الحركة ، تشعر وكأن الأمر مرتب بقصد محدد لخلق ارقوزات يمكن السيطرة عليهم .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى