أضواء وآفاق يونس عيسى
~~~~~~~~~~~
[ نحو محاولة لفهم:- ظاهرة الشر الجديد*••• ( *العنف المجتمعي*) -ودوره في تفكيك البنى الاجتماعية وعمليات الهدم الذاتي* ].
~~~~~~~~~~~~~
قال تعالى:
{وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ ابنَي آدَمَ بِالحَقِّ إِذ قَرَّبا قُربانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِما وَلَم يُتَقَبَّل مِنَ الآخَرِ قالَ لَأَقتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقينَ💮 لئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقتُلَكَ إِنّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمينَ💮
إِنّي أُريدُ أَن تَبوءَ بِإِثمي وَإِثمِكَ فَتَكونَ مِن أَصحابِ النّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمينَ💮فَطَوَّعَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسِرينَ💮}]البقره 27-30].
ويقول المولى جلا وعلا:-
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا 💮﴾[ الكهف: ٥٤ ]
مداخل ومقدمات لابد منها
بصورة عامة تتلخص الحقيقة المؤلمة إن البشرية لم تشهد ولم تعاني على مدى تاريخها الطويل الملئ بالحروب والصراعات العنيفة ،مثل ما تعاني اليوم من دوامة (تفجرات العصبيات و موجات الكراهية و أعاصير العنف والعدوان ) في مجتمعاتنا اليوم على مستوى المعمورة كلها….
وبصوره أخص – مباشرة استطيع ان اقول و بلا مبالغة ولا يخفى على أي احدا منا … لقد تحول المجتمع السوداني اليوم الى ميدان مفتوح للصراع وساحه مكشوفه للحروب الداخلية لاحدود فيها في القسوة و العنف المتبادل وشراسة العدوان، حتى باتت مآلات بلادنا مفتوحة على كل التوقعات……
ليس عبثا أو دون مغزى أيها -القارئ/والقارئة الكريمين – ان نستفتح حديثنا بنصوص الآيات القرآنية أعلاه ، ذات الدلالات والايحاءات المناسبة لمقام هذا الحديث ، لأنه لم تزل حتى الان كل العلوم الاجتماعية والإنسانية وبمختلف حقولها المعرفية الإحاطة الكاملة بحقيقة السلوك الإنساني، او هذا الجنس البشرى المثير للحيرة والجدل ،نظرا لما يكتنفه من غموض وتناقض شديد في أنماط سلوكه المتباينة ،فتراه أحيانا يبدع في انشاء المدن وعمارة الكون وإقامة الحضارات والثقافات العريقة وغزو الفضاء واختراع أحدث التكنولوجيات والتقنيات المتطورة التي وفرت له كل سبل الرفاة والإمتاع والراحة ،وفي نفس الوقت لايوجد شئ مثله (بني آدم) من جميع مخلوقات الله يقوم بأعمال الفساد و التخريب والحاق الضرر ، بل الاسراف في القتل من بني جنسه منذ صناعته للأسلحة البدائية الى ابتكار كل اسلحة الدمار الشامل والابادة الجماعية.
لم تشفع له كل مستويات التعليم الرفيع والمعرفة التي يتمتع بها ، وحتى ازدهار الثقافة والنهضة بين أغلب الأمم و المجتمعات التي تصنف بالعالم الاول او المتحضر والعالم النامي او الثالث .
لا يحول كل ذلك ما بين وحشية الانسان وعنفه وافساده للحياه.
فإذا تتبعنا مسيرة العنف والصراع ،منذ بدء الخليقة ونشأة الحياه ظل الانسان يصارع أخيه الانسان بشتى وسائل العنف والمقاومة وفي جميع الحقب التاريخية منذ العصر الحجري الى عصر النهضة والانوار والحضارة و إلى يومنا هذا ظل العنف ظاهرة من ظواهر الحياة الاجتماعية ، فدماء واشلاء الضحايا والمذابح وأشكال الدمار تقف شاهدة على عبث وفساد ومكر الانسان الذي ظل يمارسه من خلال انماط العنف والعدوان المختلفة التي عرفها .
ولعل من الحيرة بمكان لم تستطع كوابح كل الاديان والفلسفات الاخلاقية والحضارات الانسانية في تعاقبها وازدهارها وانتشارها – الحد من ظاهرة العنف أو القضاء عليه ،حتى اصبح هذا العنف سمه من سمات التاريخ الانساني ،ولم ينجو منه أي جيل من الأجيال البشرية من ويلاته.
4️ و بناء على ماسبق من تقديم – بات من الضروري تعقب و التنقيب في بعض الدراسات العلمية والنظريات الفلسفية التي سعت الى سبر اغوار هذه النفس البشرية كمحاوله لمعرفة البواعث من وراء ظاهرة الشر الجديد التي تقف من خلف نوازع العنف و استمراريته وتصاعد حدته من وقت لآخر في حياة المجتمعات البشرية.
5️ ( *دعوني اهز ذاكرة الزمن العميق او ذاكرتكم الطويلة بهذه الاسئلة التالية* )…..
إذا” – 1/ [ *فماهي الأسباب والعوامل المؤثرة في السلوك الانساني التي تدفعه الى إستمرأ ظاهرة العنف في كل زمان ومكان* …؟ ].
[ 2/ *وما دواعي أو سبب بروز القلق/الخوف من (الآخر ) سواء كان هذا الآخر هو القريب او الغريب – حتى اصبح خوفا نفسيا و أتخذ الطابع الإثني والايدولوجي والسياسي* ؟ ].
[ 3/ *هل ثم ملاحظة لديكم بان هناك أي علاقة او ارتباط مابين (الاحباط كشعور ) و(العدوان كفعل) وما ابعاد هذه العلاقة* ؟ ].
4/ [ *ماهو مفهومنا للعرقية والاثنية والعنصرية والتعصب هل هذه الكلمات ذات معنى او دلالة واحدة، أم لكل واحدة منها تعريف او مفهوم خاص* ؟].
( *حسنا* ) إننا نعتبر هذه المداخل والمقدمات هي الحد الأدنى من التمهيد ولا احسبه كافي ، ولكن على أية حال تأتي محاولتنا هذه لفهم ظاهرة العنف…(طبعا بالتطبيق على مجتمعنا المحلي السودان )… فأرتأيت أعزائنا الكرام ضرورة تعقب بعض النظريات الفلسفية و الأفكار والمقولات الكبرى لبعض علماء الاجتماع والمختصين في علم النفس والكتاب المشتغلين في مجال قضايا الثقافة و المجتمع ،ثم استعراض مستخلص الفكرة الاساسيه لنظرياتهم ومقولاتهم والتحليلات التفسيرية التي تعرض اصحابها لظاهرة العنف ونتائجها دون ان يكون لي أي تقييم لأي واحدة منها ، ولكن قد يكون لنا خيار في استعراض انسبها واكثرها مقاربة لموضوعنا المطروح ،ولا يعني ذلك هناك ميزه تفضيليه منا لأي واحدة منها سوى مناسبتها لهذا المقام.
ولاشك ان الفلسفة او النظرة العلمية المصحوبة بالتجارب هي وحدها التي يمكن أن تهيئ لنا الاستبصار الدقيق والفهم المطلوب للقضايا الشائكة .
فان مرجعيتنا بعض الاصدارات والدراسات منها :(السلوك الانساني -ثلاث نظريات في فهمه للكاتب روبرت د. ناي /النظام السياسي لمجتمعات متغيرة للمفكر صامويل هانتغون/نظرية الشر، د عزت قرني /ديناميت العنف ،ثامر عباس).
*المهم* سنبدأ بنظرية (صراع الانواع )لعالم الاجتماع الانجلبزي داروين ،ومقولة (البقاء للاصلح ، او حرب الجميع ضد الجميع )لمواطنه توماس هوبز ،واخطرها من النظريات المستحدثة(الشرعية الثورية لدى أنظمة الايدلوجيات الريادكالية كالماركسية والقوميه ) وتعطي هذه الاخيرة ملمحا لمآلات المجتمعات المتغيرة بثورات جماهيرية.
#️إلى اللقاء في الجزء الثاني