أخر الأخبار

دروب الحقيقة جنوب كردفان: شبكة المجرمين وقطاع الطرق والمعالجات المطلوبة

(1)
أصبحت عمليات النهب المسلح وقطع الطرق في الولاية ، ظاهرة إجتماعية وأمنية، تستوجب الوقوف عندها طويلا والبحث عن معالجات جذرية لها قبل أن تعم السودان، و هناك مؤشرات قوية على ذلك، في ظل فوضى السلاح والإحتيال والسيولة الأمنية، وغياب سلطان الدولة حتى داخل بعض المدن.
إن وصول الحركات المسلحة ، بعد إتفاقية جوبا الخرطوم بجيوش جرارة دون أي ترتيبات امنية وإدارية تستوعبها، فاقم من ظاهرة النهب المسلح والتعدي على المواطنين والاحتيال ، وأستخدام السلاح، و أزياء القوات النظامية، والبطاقات المزورة في إرهاب المواطنين، والتعدي عليهم ونهبهم في وضح النهار، ولكن دعونا نتأمل في جذور شبكة الإجرام عبر هذه الحادثة، حتى لا يدفن المسؤولون في الولاية رؤسهم في الرمال، ويهربون من مواجهة الحقيقة، ومكاشفة المواطنين بخطورة ما يجري بينهم.

(2)
يعود تاريخ الواقعة التي نعني إلى أكثر من 10سنوات خلت، وآمل أن يصححني الأخوة في أبوجبيهة، من تجار نهبت متاجرهم أو محامين كانوا شهود في القضية، أو شرطة أبوجبيهة نفسها، فما قصدت إلا الإصلاح، حيث عجزت اللجنة الأمنية بمدينة أبوجبيهة (مسرح الجريمة) من معرفة سر السرقات الليلية المستمرة، والوصول للمجرمين ولسنوات طويلة، لم تقبض على لص واحد، رغم الوجود الفاعل والحركة الواسعة للشرطة في المدينة، الأمر الذي جعل أحد ضباط الشرطة يساوره الشك في جنوده، ويقترح على اللجنة الأمنية، القيام بطواف ليلي للوقوف على حقيقة الأمر، ولم تجد اللجنة الأمنية أثناء طوافها غير المعلن في كل شوارع المدينة وأزقتها سوى القطط والكلاب الضالة، فتأكدت شكوكها، وبعدها بأيام تم القبض على عصابة أفراد الشرطة العاملة في (حراسة الشعب وخدمتهم) متلبسة بالجرم المشهود، بعد تتبع أثرها بعد حادثة سرقة في السوق، في يوم ماطر، ليكتشف ضابط الشرطة أن (15) من أفراده بالقسم الذي يرأسه، شكلوا عصابة للنهب المنظم والسرقات، لمدة (5) سنوات متصلة، أو أكثر وأن مسروقات هائلة من شتى الأصناف، تمتليء بها ثلاثة منازل عن آخرها، بما فيها (تلفزيون) يعود لميس ضباط الشرطة في المدينة نفسها ، وأن هناك مسروقات توفى أصحابها بالحسرة، ولم يعرفوا اللصوص الذين نهبوهم جهدهم وتحويشة العمر، وبعضها لم يعرف لها صاحب، وحين قدم أفراد العصابة للمحاكمة، كل الذي نالوه من عقوبة على هذا الجرم، (6) سنوات سجن والطرد من الخدمة والحرمان من الحقوق، ويومها عاشت المدينة صدمة مذهلة، وأهتزت ثقتها، ومن هنا بدأت الماسأة، ولست أدرى لماذا تسترت الولاية في ذلك التاريخ على هذه (الخطيئة) التي شكلت الظاهر من جبل جليد الكارثة حينها، وكان من المرجح أن يشكل نشرها رادع قوي للمجرمين وأصحاب الضمائر الخربة في مؤسسات الدولة الرسمية، ولكن حقا إن (الفساد صنو الاستبداد) ومتى وجدت الاستبداد، فتأكد أن تحته القتلة و الأفاعي السامة والذئاب واللصوص والمرتشين وأصحاب السوابق.

(3)

لذلك يمكن القول أن ظاهرة النهب والسلب وقطع الطرق والتعدي على الأرواح وممتلكات الأبرياء، التي عمت أرجاء الولاية، ومناطق أخرى من السودان، لها أيدي وامتدادات في مؤسسات وأجهزة الدولة(الحساسة) والذي يتأمل جرأة قطاع الطرق في تنفيذ عملياتهم الإجرامية، على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة المختصة، وفي داخل أحياء المدن وفي تخومها وأطرافها القريبة ، وآخرها حادثة مدينة تجملا الأخير، يدرك تماما أن هؤلاء المجرمون يعملون ضمن شبكة واسعة ومعقدة، لها امتداداتها في دواوين الدولة ولها عيون في الأجهزة النظامية المختلفة، وعبرهم تعرف قدراتها وكوادرها وتحركاتهم وأزمنة حملاتهم التأمينية.

(4)
ولم يكن خافيا، أن النهب وقطع الطرق أخذ في ظل العجز البائن للدولة أشكال متعددة، وإن اختلفت المسميات، فتزوير الشهادات الجامعية، للحصول على الوظائف والترقي غير المشروع، هو نهب لحق وقطع طريق على مواطن شريف، والإختلاس والرشوة هو نهب وقطع طريق لكادحين ومساكين وغلابة ليس لهم سند إلا الله، وأخد أموال من البنوك بالغش والتحايل، وعدم تنفيذ المشروعات المتفق عليها، هو نهب منظم وتعدي على حقوق الأبرياء والمساكين من المزارعين ، وأخذ أموال من شركات الكرتة، التي تستخدم المواد السامة والمحرمة دوليا، هو نهب وجريمة إنسانية بخطورة قطع الطرق والنهب، وتزيين الباطل وخداع بسطاء المواطنين أن هناك مواد صديقة للبيئة، والإدعاء أن البهائم لم تتسبب في موتها المواد الكيميائية ، هو انتهاك لحقوق الإنسان، وجريمة أخلاقية ودينية، لن تنسى ولن تغتفر، والتعصب القبلي الأعمى ونشر خطاب الكراهية والقبلية والإقصاء بين المجتمعات الآمنة والمستقرة والمتساكنة، والمتصاهرة، هو جريمة و تعدي على القيم والأخلاق وإضرار بالحياة والأمن والاستقرار.
(5)
فالظاهرة التي أقلقت المجتمع، وأضرت بمصالحه وأمنه، تلك تجلياتها ، وبعض حيثياتها في مؤسسات الدولة، وحقا :اذا كان رب البيت للدف ضارب..فما شيمة أهل البيت إلا الرقص والطرب،
ورحم الله الشاعر وهو يتساءل:
وهل يلام الذئب على عدوانه إن كان الراعي نفسه عدوا للغنم؟
إن المعالجة الناجعة لا يمكن أن تتم بإجراءات استثنائية فقط، مثل الذي يجري الآن في الولاية، وفي مناطق أخرى من السودان تعاني من ذات الظاهرة، ولكن الأمر يتطلب في تقديري
1_ إجراءات قانونية رادعة تطال المجرمين وقطاع الطرق، وإبعادهم من المنطقة.
2_ إجراءات إدارية ومحاسبة دقيقة، وعقوبات مناسبة للجهات المقصرة.
3_إجراء تنقلات لكل من تحوم حوله شبهة التعاون أوالتستر أو المشاركة مع شبكة المجرمين.
4_إعادة فحص وتقييم كل العاملين في الترحيلات السفرية والمواقف والجزارة في الأحياء والقرى والمدن.
5_تحريم استخدام المواتر ومنع ترخيصها في الولاية.
6_ تجريم خطاب الكراهية والعداوة والتعبئة السالبة.
7_ إعادة النظر في الإدارات الأهلية القائمة اليوم، وتقييم أدائها، ونزع سلطات المقصرين منهم.
8_تقييد إمتلاك الهواتف بالرقم الوطني والبطاقة الشخصية وضامن، وتجريم بيع الشرائح خارج الشركات المعنية
9_نقل عاصمة الولاية إلى المنطقة الشرقية، على أن يبقى نائب الوالي بها في حالة وجود الوالي بكادقلي والعكس.
10_ إعادة تقييم أداء أجهزة الاعلام الرسمية بالولاية، ورسالتها وكوادرها لتطلع بدورها في نشر الوعي، ومحاربة مثل تلك الظواهر الشاذة،التي أضرت كثيرا بسمعة المنطقة وأهلها.
11_ دعم المنطقة بعدد كافي من القضاة ووكلاء النيابة وضباط الشرطة الاكفاء، وتوفير المعينات التي تمكنهم من العمل في هذه الظروف المعقدة.

أحمد مختار البيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى