دروب الحقيقة ___________________ مآلات الحروب والصراعات القبلية على السلم الأهلي (2_2)
،، 1،،
تحدثنا في مقال (دروب الحقيقة) الفائت عن جذور وأسباب الصراعات والحروب الأهلية المتجددة، في العديد من مناطق السودان، ونواصل في هذه الحلقة الحديث عن مآلات تلك الأحداث على الوجدان الشعبي السوداني، والسلم الأهلي.
فالمعروف أن السلام حالة ذهنية، قوامها الثقة في كل عناصر البيئة المحيطة بالفرد، قبل أن يكون واقع يعيشه في تفاصيل حياته وحركته، وسكونه، وهو ما يفتقده المواطن اليوم في كثير من أجزاء السودان الملتهبة بالحروب والنزاعات المصنوعة، والتي إضطرت الآلاف لمغادرتها على أجنحة الخوف، وأصوات الرصاص.ومن المؤسف أن تجد شريحة كبيرة جدا من المتعلمين ،أصحاب ( الياقات البيضاء)، عاجزة عن التعبير عن ذاتها خارج إهاب القبيلة، ولا ترى لها وجود في كل فسيفساء السودان المبهرة، ومجالات الحياة الرحبة والمتعددة إلا في حواضن القبائل والعشائر، بل لجأت أغلب قيادات( النظام البائد) التي فقدت (هيلمان) السلطة، والمناصب والأمتيازات، إلى تنصيب أنفسها زعامات في القبائل المتصارعة، وأمراء للحرب (العدمية)التي لامنتصر فيها ، وسماسرة للفتنة المدمرة ، مستفيدين من تجاربهم السابقة، في كتائب الظل و (الجهاد) ضد الجنوبيين، والحركة الشعبية في جبال النوبة، والنيل الأزرق، والتحق آخرون منهم بالمليشيات المسلحة، التي قدمت بعد إتفاقية جوبا، ضمن بحثهم الحثيث عن السلطة وإمتيازاتها، فهؤلاء (القوم) الذين أحتار في توصيفهم الروائي العالمي الطيب صالح، لا يستطيعون العيش بعيدا عن ملذات السلطة، التي تمثل لهم هدف مصيري في الحياة، وعبرها يمارسون، (فضيلة) إرتكاب الجرائم في خلق الله، ونهب إمكانيات وموارد الدولة بزعم أنها (هى لله)!!!
،،، 2،،،،،
واليوم بعد 66 سنة من استقلال السودان، تعود الدولة ومؤسساتها، رهينة لمنطق القبيلة، وأمراء الحرب والفتنة، ولبندقية المليشيات المسلحة،عابرة الحدود، وتراجعت منظومات القانون والعدالة، والضبط الاجتماعي والقضاء ، والمحاسبة، التى نخرتها شبكات الفساد، وخربتها أيادي المحسوبية، والتحيزات الوظيفية، والتمكين الأعمى، الذي مارسته الإنقاذ ،حتى أصبح أحد تقاليدها الراسخة، واستسلم المواطن العادى لقدره في المناطق والمدن التي تحولت إلى مسارح عمليات حربية، الأمر الذي يؤشر إلى منحى خطير، يتمثل في:
1_ فشل الدولة في القيام بواجباتها تجاه شعبها ومواطنيها، في وقت تتربص فيه القوى العظمى بموارد السودان وموقعه الإستراتيجي، ويمكن أن توظف هذه الحروب القبلية، كمدخل نموذجي لتدخل دولي في السودان، شبيه بما حدث في ليبيا والصومال وسوريا واليمن ، وهو أمر يبدو أن أمراء الحرب وسماسرة الفتنة، المرتبطين بصراعات المركز في الخرطوم، يسعون إليه، تحت مظلة الحرب الأهلية الجارية، في أكثر من ولاية ومدينة وقرية وفريق في السودان
2_ تكرس الحروب الأهلية، لمفاهيم متخلفة
تمحو الوجدان الوطني،وتمزق الروابط بين مكونات المجتمع
3_تعيق الأندماج الشعبي، والتعايش الأهلي والإضرار بالاستقرار والسلم المجتمعي
.وتبقى مسؤولية حكماء السودان، وعقلائه وقادته من القوى الوطنية والثورية عظيمة في تفويت الفرصة، على الماشين بالفتنة من أمراء الحرب القبليين،والساعين لتمزيق السودان إلى دويلات بقدر قاماتهم، تحمي مخازيهم ،لأنهم هاربون من تاريخهم الذي يفيض بالخيانة والفساد، والإضرار بالمجتمع.
،،،3،،
أن محاولة عكس عجلة التاريخ في السودان، غير ممكنة والعالم يشهد إنجازات تكنولوجيا (النانو)، إلا أن الذين يسعون (لقبلنة) السودان متآمرون، ومرتبطون بدوائر معادية السودان،بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تتحدث عنها أفعالهم ، على رأسها الكيان الصهيوني الذي لم يخف مطامعه في مياه وموانيء السودان، و ظل يقف وراء كل الحركات التى حملت السلاح ضد شعبها بلا استثناء ، وتماهت مع المشروع التآمري، سلطة الإنقاذ بعد عام (2003_2004)م ، فدخلت سوق تصنيع المليشيات القبلية، بغرض تفتيت القبائل واستعدائها واستخدامها ضد بعضها البعض، وها نحن نحصد اليوم ثمار ما زرع العدو وزرعت.
إن خطر الحروب الأهلية، يأتي من مجموعات أمراء الحرب والفتنة، الذين رفعوا (اسماء القبائل) كقميص عثمان، فقط لتحشيد المؤيدين لهم بأسم القبيلة، بينما أهدافهم الحقيقية، لا علاقة لها بالقبيلة ومصالحها، بل مصالحهم مرتبطة بشكل وثيق بشركات الذهب، ومناجم التعدين والمليارات التي ظلت تدفعها لهم تلك الشركات العشوائية الغامضة، والتي لاتعمل إلا في الظلام ، كرشاوي وحوافز وإمتيازات، وإلا لماذا لم يظهر أولئك كزعامات قبلية، وأمراء حرب إلا بعد أن فقدوا مواقعهم ومناصبهم وأمتيازاتهم في حكومات الإنقاذ بعد سقوطها؟!!
إن علامات الاستفهام و التعجب كثيرة، تحتاج من المتعلمين الحريصين، (أصحاب النيات السليمة) البحث عن إجاباتها،قبل أن يعود هؤلاء المجرمون بالسودان إلى دويلات القبائل، في قرون خلت.
،،أحمد مختار البيت،،
17 يونيو 2022