مقال مثير للجدل لوزير العدل السابق في الحكومة الانتقالية المحلولة
الخرطوم: ريناس نيوز
كتب وزير العدل السابق في الحكومة الانتقالية، نصر الدين عبد البارئ تحليلا قانونيا مهما حول انتقال رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني والغموض الذي تسببت فيه اتفاقية جوبا في هذه الجزئية.
وفيما يلي تنشر “ريناس نيوز” المقال كاملا
تَحليل قَانُوني
بقلم
د. نَصْرالدين عبدالبَاري
تَرجمة د. سَامي عبدالحَليم سَعيد
نجحت ثورة ديسمبر 2018 في السُودانْ في إزاحة الدكتاتور عمر البشير وحكومته الكليبتوقراطية من السُلطَة، لتتيح بذلك فرصةً تاريخية لإقامة دولة ديمقراطية، يشارك فيها جميع السودانيون دون تمييز. وقد كان تكوين حكومة ذات قيادة مدنية في سبتمبر من العام 2019 خطوة فارقة صوب إرساء وبناء المرتكزات والمؤسسات اللازمة لبناء تلك الدولة الديمقراطية المبتغاة. لكن مشاركة قادة عسكريين—كان كثيرون منهم جزءاً من نظام البشير—في الحكومة كان سبباً لتنامي التوتر بين القيادات المدنية والقيادات العَسكَرية في الحَكُومَة الانْتِقَالية. وبسبب عجزهم، أو عدم رغبتهم في التعاطي مع التباين السياسي، الذي خلقته تلك الشراكة، نظم العسكريون انقلاباً عسكرياً في يوم 25 أكتوبر 2021، حلوا بموجبه الحَكُومَة الانْتِقَالية، وأنهوا عملية التحول الديمقراطي برمتها، وأسسوا حكومة دكتاتورية مرة أخرى في البلاد. وكأنهم يعمدون على إعادة الساعات الى زمن الدكتاتورية، إذ قامت قيادة الانقلاب، حتى الآن، بقتل ما يزيد عن 79 محتجاً سلمياً مناهضاً للحكم العسكري، وأعادوا تعيين مئات الموظفين الموالين لنظام الدكتاتور البشير، كانت حكومة الثورة قد أزاحتهم عن مواقعهم بسبب فسادهم أو ممارستهم لسطوة السلطة إبان عهد البشير. وقد أشعل الانقلابُ موجةً جديدة للثورة في السُودانْ، باتت تنادي بإسقاط حكومة الأمر الواقع، التي فرضها الانقلابيون، وتشكيل حكومة مدنية بالكامل.
إن أحد العوامل الرئيسية التي جعلت قيادة الجيش تنقلب على الحَكُومَة الانْتِقَالية في 25 أكتوبر، كان هو قرب حلول ميقات تسليم رئاسة مَجْلس السِيادة الانْتِقَالي الى قيادة مدنية. و كانت مسالة توقيت تسليم رئاسة مَجْلس السِيادة للمدنيين، قد تم الاتفَاق عليها بين العَسكَريين والمَدنيين في الوثِيّقَة الدستُوريّة الانْتِقَالية، التي تمت صياغتها واعتمادها قبل تكوين الحَكُومَة الانْتِقَالية. ولكن موعد تسليم رئاسة المَجْلس لم يعد واضحاً بعد التعديل الذي طرأ على الوثِيّقَة الدستُوريّة بموجب اتفَاقية جُوبَا لسلام السُودانْ الموقعة في أكتوبر 2020، الأمر الذي أسهم، بجانب أسباب أخرى، في نشوب نزاع بين القيادات المدنية والعَسكَرية، أدى في نهاية الأمر الى الانقلاب على الحَكُومَة الانْتِقَالية بواسطة قيادات الجيش.
خلال تلك الفِتْرة المضطربة، وبصفتي وزيراً للعدل وقتئذٍ، قمتُ بتحليل القراءات المختلفة الممكنة للوثيقة الدستُوريّة، وتاريخ تسليم رئاسة المَجْلس، بناءً على قواعد التفسير القَانُوني. في هذا المقال، أوجز الحجة للمواقيت الممكنة للتسليم، واضعاً بذلك الأمور في سجلها التأريخي وتحليلها الأكاديمي الصحيح بشأن هذه المسالة الدستُوريّة التأسيسية.
وكما هو الأمر في الكثير من المسائل القَانُونية العامة، قدم المحللون تفسيرات وتوصلوا إلى نتائج أو خلاصات مُتباينة بخصوص تَاريخ تسليم رئاسة مَجْلس السِيادة إلى المَدنيين. إن رأيي الوارد هنا مبني على تحليل التفاعل بين المَادَة 7(1) والمَادَة 11(3) من الوثِيّقَة الدستُوريّة الانْتِقَالية، والمَادَة 2(1) من اتفَاقية جُوبَا للسَلام. لقد خَلُصتُ إلى أن تأريخ انتقال رئاسة مَجْلس السِيادة من العَسكريين الى المَدنيين، وبموجب أحْكام الوثيقتين، هو اليوم الثَالث من شهر يُوليو 2022 .
قد تَبدو تلك الخلاصة، للكثيرين من مُناصري الحُكم المَدني، غير عَادلة. إذ عِند التوقيع على اتفَاقية جُوبَا للسلام، كانت قِيادات الجيش قد ترأست سلفاً مَجْلس السِيادة لمُدة 14 شَهراً من مُجمل 21 شَهراً كانت مُخصصة لقيادة الجيش أن تَتقلد فِيها رئاسة المَجْلس من مُجمل 39 شَهراً هي عُمر الفِتْرة الانْتِقَالية، كما نَصْت على ذلك الوثِيّقَة الدستُوريّة غير المعدلة. إستناداً إلى تَفْسيري للوثيقة الدستُوريّة ولاتفَاقية جُوبَا للسَلامْ، أجد أن التوقيع على اتفَاقية جُوبَا، قد أدى إلى إعادة ضَبط السَاعة من جديد، لتبدأ الفِتْرة الانْتِقَالية من البداية، ويَمحُو الاتفَاق تلك الأشْهُر الـ 14 من جَدول الفِتْرة الانْتِقَالية.
لسُوء الحَظ، بالنسبة لمُناصري الحُكم المَدني، وشخصي الضعيف من بينهم، لا يمكن بناء حُجة قَانُونية قَوية لصالح أي خلاصة أخرى. بالطَبع، كان بإمكان أطراف الوثِيّقَة الدستُوريّة واتفَاقية جُوبَا، أن ينَصْوا بصورة واضِحة، على تَعديل الوثِيّقَة الدستُوريّة، والنَصْ فيها صراحة على تاريخ آخر لتسليم السُلطَة—لكنهم لم يفعلوا ذلك.
لقد برزت مَسالة تاريخ نقل رئاسة المَجْلس، بسبب غُموض نَصْوص الوثِيّقَة الدستُوريّة بعد التعديل، وكذلك غُموض أحْكَام اتفَاقية جُوبَا للسَلام. وكان من المُمكن مُعَالجة مَسالة تاريخ انتقال رئاسة المَجْلس بشكل واضح أثناء مُفَاوضات جُوبَا. وكما تَمت الإشارة أعلاه، كان من المُمكن كذلك مُعالجة تلك المَسالة لاحقاً من خِلال اتفَاق بين الاطراف المُوقِعة على الوثِيّقَة الدستُوريّة وأطْراف اتفَاقية جُوبَا. ولكن بسبب عدم رغبة القيادات العَسكَرية بمجلس السيادة في الانخِراط في أي نِقاشات قَانُونية جَادة ذات صِلة بِموضوع تسليم رئاسة المَجْلس للمَدنيين، ما كان لاي تفسير مُحتمل للنَصْوص أن يَمنع حُدوث الانقلاب العَسكري على الحَكُومَة الانْتِقَالية. وعلى الرغم من أن الانقلاب قد عطل فعالية الوثِيّقَة الدستُوريّة، وتجاوز اتفَاق جُوبَا، إلا أن التحليل القَانُوني مُفيد جداً من الناحية الاسترشادية في مِثل هذه المَسائل الدستُوريّة، و يفيد كذلك من الناحية التحذيرية لغير السُودانْيين الذين يَمُرون بِظُروف تَحَول دستُوري صَعبة نَحو الديمُقراطِية. إن غِموض الصِياغَة، رغم أنه قد يَكون استراتيجيًا في البِداية ، يُمكن أن يُقَوض في النِهاية الانْتِقَال إلى الحُكم الديمقراطِي والدستُوري، خَاصة عِندما يفشل أحد الأطراف في الانخراط بِحسن نِية في تفسيرقَانُوني لِصالح سِلمية وديمُقراطِية الانْتِقَال.
خَلفِية
بعد الإطاحة بحَكومة البشير بِنجاح، إنْخَرطَت القِيادات المَدنية لثورة ديسمبر 2018، وعلى وجه التحديد قيادات قوى إعلان الحُرية والتغيير، والقِيادات العَسكَرية، في مُفاوضات سِياسية شاقة، أفضت إلى الاتفَاق على الوثِيّقَة الدستُوريّة للفترة الانْتِقَالية، والتي تم التَوقِيع عَليها في 17 أغسطُس 2019. وقد اتفق الطَرفَان على تَرتيبات خَاصة باقتِسام السُلطَة، تتولى فيها القِيادات العَسكَرية رئاسة مَجْلس السِيادة خِلال ال 21 شهراً الأولى من عُمر الفِتْرة الانْتِقَالية، والتي تقرر لها أن تكُون 39 شهراً (الفقرة الاولى من المَادَة 7 من الوثِيّقَة الدستُوريّة). وبحسب الوثِيّقَة الدستُوريّة قبل التعديل، كان على الأعضاء المَدنيين في المَجْلس أن يستلموا رئاسة المَجْلس في يوم 17 مايو 2021 لفترة ال 18 شهراً المتبقية من الفِتْرة الانْتِقَالية.
لكن تم تمديد موعِد تَسليم رئاسة مَجْلس السِيادة للمدنيين بعد توقيع اتفَاقية جُوبَا في الثالث من شهر أكتوبر 2020. وسَّع الاتفَاق قاعدة تقاسم السلطة في حكومة ومُؤسسات الفِتْرة الانْتِقَالية، ليشمل المُوقِعين على الاتفَاق من الحركات المسلحة من المناطق المُهمشة في السُودانْ، التي حاربت نظام البشير البائد. ينَصْ الاتفَاق على أن الفِتْرة الانْتِقَالية التي تبلغ مُدتها 39 شهراً، تبدأ مرة أخرى من تاريخ توقيع الاتفَاقية، بحسب نَصْ الفقرة الأولى من المَادَة الثانية. تنَصْ المَادَة على ما يلي:
اتفق الطرفان على أن تكون مُدة الفِتْرة الانْتِقَالية 39 (تسعة وثلاثون) شهراً، تدخل حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ توقيع اتفَاق جُوبَا للسلام.
لا يمكن اعطاء اتفَاقية جُوبَا للسلام أهمية مُبالغة في سياق التحول الديمقراطي في السُودانْ. كان تحقيق السَلامْ من أهم المهام الدستُوريّة للحكومة الانْتِقَالية. وقد هدفت اتفَاقية جُوبَا إلى تحقيق ذلك السلام، من بين تدابير أخرى، بمنح الحركات المسلحة ثلاثة مقاعد في مَجْلس السِيادة و 25 في المائة من وزارات الحَكُومَة الانْتِقَالية.
بعد توقيع اتفَاقية جُوبَا للسلام ، قامت الحَكُومَة بتعديل الوثِيّقَة الدستُوريّة بدمج أحكام الاتفَاقية في الوثِيّقَة. ومع ذلك، لم تحدد اتفَاقية جُوبَا للسلام ولا الوثِيّقَة الدستُوريّة المُعَدلة مَوعداً جديداً لتسليم رئاسة مَجْلس السِيادة للمدنيين—فقد أغفلت كُلٌ من الوثِيّقَة والاتفَاقية تماماً مُعالجة هذا الأمر. وبالتالي ، فإن السؤال الدستُوري الذي يطرح نفسه هو: كيف نُفسر هذا الصمت حِيّال تاريخ التسليم؟ تعتمد الإجابة عَلى هذا السُؤال على تَحليل التفاعل بين المَادتين 7(1) و 11(3) من الوثِيّقَة، والمَادَة 2(1) من اتفَاقية جُوبَا للسَلام المبرمة في أكتوبر 2020.
فيما يلي، أقوم بِتحديد مُحتوى التفاعل بين مَواد الوثِيّقَة والاتفَاقية، وذلك بَعد الانخراط في تَحليل وتفسير للمواد الثلاثة، بهدف تقديم إجابات مُحتملة لسؤال مُحدد للغاية هو: هل إعادة حِساب مُدة الفِتْرة الانْتِقَالية (بحسب الاتفَاقية في المَادَة 2(1)) تشمل كذلك إعادة حساب توقيت تسليم رئاسة المَجلس المنَصْوص عَليها في المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة؟
المَبادئ التَفسيرية الأسَاسية
عندما ما يتعلق الأمر بأيِ تَفسير قَانُوني أو دستُوري، فمن المُفيد دائماً ذِكر وتَعريف القواعد التفسيرية ذات الصِلة، التي سَيتم استخدامها في التَحليل. في هذه الحَالة بالذات ، تُعتبر القواعد التَالية ذات صِلة:
أولاً، قاعدة التَفْسِير المُتناغِم، التي تنَصْ على أن النَصْوص القَانُونية، ولا سيما النَصْوص الدستُوريّة، يجب تفسيرها بشكل كلي ومتناغم. بعبارة أخرى، ينبغي تجنب التفسيرات التي تُنتج تَعارُضاً غَير ضَروري بين النَصْوص. هذه القاعدة مُرتبطة بقَاعدة التَفسير البِنيوي، التي تنصْ على أنه يجب تفسير الأحكام القَانُونية باعتبارها بنية واحدة متكاملة، أينما وجدت، وليس فقط كأحكام مَعزُولة أو مُنفصلة.
ثانياً، قاعدة المُساواة المَوضُوعِية، التي تنَصْ على أنه عندما يكون هُناك نَصْان قَانُونيان أو أكثر يُعالِجان نفس المسألة، فيمكن استخدام المعنى الواضح الوارد في أحد النَصْوص لبيان أو تفسير حُكم غير واضح موجُود في النَصْ الآخر. والنتيجة النهائية هي وجود قاعدة قَانُونية مُتماسكة يتم توفيرها من التفاعُل المُثمر بين النَصْوص القَانُونية. ترتبط هذه القاعدة بقاعدة الكلمة أو المفاهيم القَانُونية المتكررة، والتي تنَصْ على أنه عند استخدام كلمة أو عبارة أو مفهوم مُعين بشكل مُتكرر في نفس النَصْ القَانُوني، أو في نَصْ قَانُوني مُنفصل، ولكنه مُرتبط به، فإن الكلمات أو العبارات أو المفاهيم ينبغي أن يكون لها نفس المعنى التواصلي (الدلالي) أو المِعْياري (القانوني).
ثالثاً، قاعدة فعالية النَصْ، والتي تنَصْ على أنه يجب تفسير النَصْوص القَانُونية بطريقة تجعلها تعمل بشكل فعَّال. وبعبارة أخرى، ينبغي تجنب التفسيرات التي تُعِيق التنفيذ المُناسب للنَصْ. فالتفسير يفترض أن يَساعد تنفيذ النَصْ، لا أن يُعِيقه.
رابعاً، قاعدة الغَرض مِن القَانُون، والتي تنَصْ على أنه في حَالة وجُود بعض الشك أو القُصور من حيث مَعنى النَصْ القَانُوني، فيجب الانتباه إلى الغرض من النَصْ نفسه من أجل التغلب على الشك أو معالجة القُصور. والأهم من ذلك، تطلب هذه القاعدة من المُفسر للنَصْ القَانُوني اختيار التفسير الأكثر اتساقًا مع غرض وأهداف النَصْ. وفي هذا السياق، يتم تعريف الغرض على أنه السبب أو الدافع وراء سن تشريع مُعين. ترتبط هذه القاعدة كذلك بِقاعدة النِية أو القصد، التي تركِّز على ما كانت الأطراف تُحَاول القِيام به أو تَحقيقه عِند سَن نَصْ قَانُوني محدد.
خامساً، قاعدة التَخصُص، التي تنَصْ على أن الأحكام التي تتناول قَضية مُعينة (مُحددة) بوجه خاص، تَحل مَحل الأحكام الأخرى ذات الطبيعة الأكثر عُمومية. وأساس هذه القاعدة هو أنه عِندما تَتم مُعالجة مَسألة أو قَضية باهتمام خَاص، فإن نتيجتها يكون لها وزن أكبر مِن القرار العَام الذي يؤثر فَقط بشكل عرضي على القَضية المُعينة.
سادساً، قاعدة التَرتيب الزَمنِي، التي تنصْ على أن الأحكام اللاحقة تحل محل الأحكام السابقة. وأساس هذه القَاعدة هو أنه إذا كان الحُكم الأخير في حَالة تعارض مع نص أو حكم أقدم، فإن الحكم الجديد يُنظر إليه على أنه إعادة نظر في النَصْ أو الحكم السابق. ومع ذلك، هذه القَاعدة مقيدة بقَاعدة التخصص المذكورة أعلاه: لا يمكن أن يحل الحكم الأحدث مَحل الحكم الأسبق إلا إذا كان الحُكم الأحدث، على الأقل، بذات مُستوى أو درجة تخصُص الحكم الأسبق.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى ظَاهرة الغُموض في النصوص القانونية أو الدستورية وكَيفية حَلها. يوجد غُموض عِندما تَكون هنالك كلمة أو عبارة تحتمل مَعنيين تواصليين (دلاليين) أو مَعنيين معياريين (قَانُونيين) أو أكثر، ولكن لا يمكن أن يكون المعنى الصَحيح إلا واحداً منهما. يمكن استخدام العَديد من القواعد لمُعالجة الغُموض، مثل قاعدة الغَرض أوقاعدة القصد أو قاعدة المُساواة الموضوعية.
تًطبيق المَبادئ على الفِتْرة الانْتِقَالية في السُودان
يمكن استخدام هذه المبادئ معًا لتحديد أفضل إجابة قَانُونية للأسئلة—مثل السؤال الناشئ عن التفاعل بين النَصْوص التأسيسية في المرحلة الانْتِقَالية في السُودانْ. هذا السؤال هو:
هل تُعيد اتفَاقية جُوبَا للسلام من جَديد حِساب مُدة المَرحلة الانْتِقَالية التي تبلغ 39 شهراً، وكذلك إعادة اقْتسام السُلطَة الذي نَصْت عليه الوثِيّقَة الدستُوريّة، بين الأعضاء العَسكَريين والمَدنيين فيما يتعلق بمَسألة رئاسة مَجْلس السِيادة؟
تنَصْ المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة الدستُوريّة على أن “مدة الفِتْرة الانْتِقَالية تسعة وثلاثون شهراً ميلادياً ، تبدأ من تاريخ التوقيع على هذه الوثِيّقَة الدستُورية”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا النص يحدد مفهوماً محدداً و مُعَرفاً (الفِتْرة الانْتِقَالية)، وبمُدة مُحددة (39 شهراً) وتاريخ مُحدد يبدأ فيه (التوقيع على الوثِيّقَة، وهو 17 أغسطس 2019). تم ذكر مُصطلح “الفِتْرة الانْتِقَالية” حوالي 23 مَرة في الوثِيّقَة بما في ذلك عِنوان الوثِيّقَة نفسها: “الوثِيّقَة الدستُوري للفترة الانْتِقَالية لِعام 2019”.
يبدو أن المصطلح (“الفِتْرة الانْتِقَالية”) هو مُعرّف فردي مُعين وليس واصفًا عاماً. بِعبارة أخرى، إنها ليست أي فترة انتقالية مُجردة أو غير مُحددة، ولكنها فترة انتقالية فِعلية، تم النَصْ عليها في وبواسطة الوثِيّقَة الدستُوريّة نفسها.
تتناول المَادَة 11 من الوثِيّقَة الدستُوريّة مسألة رئاسة مَجْلس السِيادة وعلى وجه التحديد ، تنَصْ المَادَة 11 (3) على ما يلي:
يترأس مَجْلس السِيادة على مدى الواحد والعشرين شهراً الأولى من الفِتْرة الانْتِقَالية شخص يختاره العسكريون، وفي الأشهر الثمانية عشر المتبقية من الفِتْرة الانْتِقَالية ، بدءاً من 17 مايو 2021، يترأسه عضو مدني، يتم اختياره من قبل الأعضاء المَدنيين الخمسة الذين تم اختيارهم من قبل قوى إعلان الحرية و التغيير.
(الفِتْرة الانْتِقَالية) أم (فِترة انتِقالِية) ؟
أولاً، نلاحظ تكرار مُصطلح “الفِتْرة الانْتِقَالية”. هذا يعني أننا نتعامل مع نفس المُصطلح المُستخدم في المَادَة 7(1). على هذا النحو، فإن المَادَة 11(3) هي في الأساس تقسيم للسلطة في مَجْلس السِيادة خلال الفِتْرة الانْتِقَالية الرسمية المنَصْوص عليها في المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة الدستُوريّة، في السياق المُحَدد لرئاسة مَجْلس السِيادة.
عند تفسير اتفَاقية جُوبَا للسلام، من الضروري مناقشة النسخة العربية الأصلية للاتفَاقية وكذلك الترجمة الإنجليزية الرسمية للاتفَاقية. هناك اختلاف طَفيف في المُصطلحات المُستخدمة في كل لُغة، مما يُؤثر على مَعنى النَصْ. تنَصْ المَادَة 2(1)، من اتفَاقية جُوبَا، في النسخة العربية، على ما يلي: “اتفق الطرفان على أن تكون مُدة الفِتْرة الانْتِقَالية 39 (تسعة وثلاثون) شهراً تدخل حَيز النفاذ عند تاريخ توقيع اتفَاقية سلام جُوبَا”. على الرغم من أن هذا الحُكم لا يشير إلى المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة، فمن الواضح أنه يتحدث عن نفس الفِتْرة الانْتِقَالية التي تحددها المَادَة 7(1). هذا التفسير معزز باستخدام الصيغة التعريفية (الفِتْرة الانْتِقَالية)، واستخدام ذات العبارة، واستخدام نفس الفِتْرة الزمنية، “39 شهراً”. الدلالة الضمنية لهذا النص الواضِح في اتفَاق جُوبَا هي أن الفِتْرة الانْتِقَالية المَذكُورة في المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة تبدأ من جَديد عند التوقيع على الاتفَاقية. في المُقابل ، تنَصْ الترجمة الإنجليزية الرسمية لاتفَاقية السَلامْ على ما يلي: “يتفق الطرفان على فترة انتقالية مدتها تسعة وثلاثون (39) شهراً تدخل حيز التنفيذ في تاريخ توقيع اتفَاقية السَلامْ”.
ومع ذلك، لا يتحدث النص صراحةً عن تأثير اتفَاقية جُوبَا على توزيع السُلطَة بين العَسكَريين والمَدنيين في مَجْلس السِيادة ، سواءً في النسخة العربية أو الإنجليزية. هذا هو جوهر التحليل في هذه الحالة ، لكن النَصْ لا يشير إلى توزيع السُلطَة في مَجْلس السِيادة كما هو مُحدد في المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة، ولا ينشئ توقيتاً جديدًا. هناك تفسيران مُحتملان لهذا الإغْفَال.
التَفسير الأول المُحْتمل هو أن الفِتْرة الانْتِقَالية المُحددة في الاتفَاقية مُختلفة عن تلك المَذكُورة في المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة. إذا كان الأمر كذلك، فلن يتأثر توزيع السُلطَة في المَجْلس كما حددته المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة وسيظل تاريخ مايو 2021 ساري المفعول. القرائن النَصْية الرئيسية لهذا الاحتمال هي (1) استخدام صيغة (النكرة) بدلاً عن صيغة (المُعرف)، باستخدام أداة النكرة “a” بدلاً من استخدام أداة التعريف “the” (في الترجمة الإنجليزية)، وبالتالي خلق انطباع بأنها فترة انتقالية جديدة ومختلفة؛ و (2) عدم الإشارة إلى المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة أو بشكل أعم إلى الفِتْرة الانْتِقَالية المنَصْوص عليها في الوثِيّقَة الدستُوريّة.
التَفسير الثاني المُحتمل هو أن الفِتْرة الانْتِقَالية المنَصْوص عليها في هذه المَادَة هي نفسها المذكورة في المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة. إذا كان هذا هو الحَال، كما هو مُوضح هُنا، فإن الفِتْرة المحددة في المَادَة 7(1) ستبدأ مرة أخرى عند التوقيع. هذه القراءة الثانية مدعُومة بالنَصْ العربي الأصلي، والتكرار المُطلق للمصطلح نفسه (“الفِتْرة الانْتِقَالية”) في كل من الوثِيّقَة الدستورية واتفَاقية جوبا، والإشارة إلى نفس الفِتْرة (39 شهراً). تجتمع هذه العوامل لتشير بقوة إلى أن الاتفَاقية أحالت مَعنى الفِتْرة الانْتِقَالية للمَادة 7(1). السؤال المُتبقي يتعلق بجدول التوزيع الداخلي المنصوص عليه في المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة الدستُوريّة.
اقْتِسَام السُلطَة في الفِتْرة الانْتِقَالية بِحسب الوثِيّقَة غَير المُعدلة
للوهلة الأولى، يبدو أن المَادَة 11(3) تُحدد تاريخ انتهاء رئاسة العَسكَريين لمَجْلس السِيادة، في تاريخ 17 مايو 2021. لكن بقراءة مُتمعنة يتضح أن هذا التاريخ مجرد استخلاص، إذ يتم التوصل إلى ذلك التاريخ من الصياغة المذكورة في المَادَة 11(3). لذلك، ليس للتاريخ المحدد قوة معيارية مستقلة. بمعنى آخر، التاريخ هو انعكاس لعملية رياضية أو حسابية، ويمكن أن يتغير بتغير تاريخ البدء. فتاريخ 17 مايو غير موجود بذلك التحديد في النَصْ القَانُوني موضوع هذا التفسير.
أحد العوامِل الحاسمة في تفسير هذه الأحكام هو الغَرض من المَادَة 7(1). إذا كان الغَرض هو إقامة سُلطة مدنية دائمة بنقل السلطة إلى المدنيين في المجلس السيادي، فلن يكون لتحديد تاريخ بداية جديد أي تأثير؛ سيستمر الانْتِقَال إلى الحُكم المدني حَتى تتحقق الفِتْرة الأصلية. بمعنى آخر، سيستمر التوقيت من البداية، بغض النظر عن تجديد الفِتْرة الاجمالية. ولكن إذا كان الغرض هو إنشاء هَيكل لتقاسم السُلطَة خلال الفترة الانتقالية، فإن تحديد تاريخ بدء جديد للفترة الانْتِقَالية سيتطلب بالتأكيد إعادة حِساب المُدة مِن الأول.
في هذه الحالة، كان الغرض من المَادَة 7(1) هو إنشاء هَيكل لتقاسم السُلطَة (كما سأناقش بمزيد من التفصيل أدناه)، وبالتالي، ينبغي استبعاد الافتراض أو التفسير الثاني. في الواقع ، كان من المقرر أن يتم إنشاء سلطة مدنية دائمة بنهاية الفِتْرة الانْتِقَالية، حين يكون السُودانْيون قادرين على انتخاب حكومة مدنية بالكامل عبر انتخابات ديمقراطية شفافية ونزيهة.
أثر اتفَاقية جُوبَا للسَلام عَلى جدول تَوزيع السُلطة
لقد استنتجنا أن اتفَاقية جُوبَا للسلام قد عمدت الى إعادة حساب مدة الفترة الانْتِقَالية (39 شهراً) المحددة في المَادَة 7(1)، لتبدأ من جديد بعد توقيع الاتفاقية. لكن هذا الاستنتاج لا يعني كذلك وبصورة تلقائية إعادة حساب مَوعِد تسليم رئاسة مَجْلس السِيادة إلي المدنيين. بمعنى آخر، إذا كانت المَادَة 7(1) ستبدأ فعاليتها من جديد بعد توقيع الاتفاقية، وليس من تاريخ توقيع الوثيقة الدستورية، هل هذا الاستنتاج ينطبق أيضاً على المَادَة 11(3)؟ وعلى كل حال، أي من الخيارين، خيار تجديد أو خيار عدم تجديد المادة 11(3) ، لا يتعارض مع الاستنتاج بأن اتفاقية جوبا للسلام قد عمدت الى إعادة بدء مدة الفترة الانتقالية، التي نصت عليها المادة 7(1) من الوثيقة.
كما ناقشنا أعلاه، تحدد المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة يوم 17 مايو 2021 باعتباره التاريخ الذي ستنتقل فيه رئاسة مَجْلس السِيادة من العَسكَريين إلى المَدنيين. ومع ذلك، ليس من الواضح في النَصْ ما إذا كان هذا تاريخاً ثابتاً له قوة مِعيارية كجزء من جدول انتقال أحادي الاتجاه، أم مُجرد توضيح للحساب الذي تم إجراؤه بموجب صياغة الوثِيّقَة لتقاسم السُلطَة. الدليل النَصْي الرئيسي الذي يدعم الاحتمال الثاني هو استخدام العبارة وبصيغة تعريفية دقيقة “الفِتْرة الانْتِقَالية”، والتي تم استخدامها 23 مرة في الوثِيّقَة و 41 مرة في اتفَاقية جُوبَا للسلام. يشير هذا التكرار والاتساق (لا سيما مع غياب تعريفات أخرى للمصطلح) إلى أن الإشارة هنا هي إلى نفس الفترة الانتقالية، وليس إلى فترتين انتقاليتين منفصلتين. لذا، فإن استئناف الفترة الانتقالية التي تبلغ 39 شهراً عند توقيع اتفاق جوبا للسلام ستعنى كذلك تجديد جدول توزيع السلطة بمجلس السيادة بعد توقيع الاتفاقية من جديد، على تبدأ فترة رئاسة العسكريين للمجلس (21 شهراً) من جديد بعد توقيع الاتفاقية.
المسألة الأخيرة المتبقية هي ما إذا كانت مواقيت توزيع رئاسة مجلس السيادة في المَادَة 11(3)—على الرغم من هذه القرائن النَصْية التي تشير إلى إعادة حساب الزمن من جديد—جزءاً من انتقال أحادي الاتجاه لم يتأثر باتفَاقية جُوبَا للسلام.
للإجابة على هذا السؤال، سيكون من المفيد مراعاة الغرض من المَادَة 2(1)، الباب الأول، من اتفَاقية جُوبَا للسلام، بالإضافة إلى نية الأطراف التي أبرمت الاتفَاقية فيما يتعلق بالغرض من المَادَة 11(3).
كما نرى، فإن المَادَة 2(1) من الاتفَاقية، في النسختين العربية والإنجليزية، صامتة بشأن مسألة تحديد تاريخ تسليم رئاسة مجلس السيادة (مايو 2021) المذكور في المَادَة 11(3)، وصامتة كذلك فيما يتعلق بالمسألة الأكثر عمومية، المتمثلة في تجديد جدول توزيع السلطة أو القيادة داخل المَجْلس. علاوة على ذلك ، هي صامتة فيما يتعلق بما إذا كان الانْتِقَال إلى القيادة المدنية لمَجْلس السِيادة قد تأثر بشروط الاتفَاق.
إن الصَمت بِحكم تَعريفه هو غموض. وأفضل أداة لحل الغموض هو السِياق، والذي غالباً ما يتم اكتشافه عن طريق الغَرض والنِية. في هذا السياق بالذات، كان النَصْ صامتاً لأن واضعي مسودة الاتفَاقية على الأرجح لم يروا أي حاجة لقول أي شيءٍ محدد حول تاريخ مايو 2021. بعد الإطاحة بالبشير وحكومته في أبريل 2019، كان القادة العسكريون في البداية غير مُستعدين تماماً لتسليم أو تقاسم السُلطَة مع القادة المَدنيين. كانت الوثِيّقَة الدستُوريّة، التي تمكن القادة المدنيون في نهاية المطاف من صياغتها مع الجيش، في الأساس حول تقاسم السُلطَة، التي خطط المدنيون أن تكون وسيلة لإنشاء مؤسسات بقيادة وسيطرة مدنية دائمة من خلال انتخابات ديمقراطية تُجرى قبل نهاية الفِتْرة الانْتِقَالية. ومَجْلس السِيادة بحد ذاته ليس مُؤسسة دائمة، حيث تم إنشاؤه فقط للفترة الانْتِقَالية من أجل توزيع السُلطَة. لذلك ، فإن تاريخ مايو 2021 توضيحي وليس ثابتاً. وقد ذُكر التاريخ فقط لأن الأطراف أرادت أن تكون مُحددة في شرح نتيجة صيغة تقاسم السُلطَة المقررة. تشير هذه النية—لتشكيل آلية لتقاسم السُلطَة—إلى أن الاتفَاقية أعادت سريان كلاً من المَادَة 7(1) والمَادَة 11(3) من البداية.
قد يجادل المرءُ بأن الصمت لا يغير القوة المعيارية لتاريخ مايو 2021، وذلك على افتراض أن التاريخ كان من المفترض أن يكون ثابتاً، وليس للتوضيح، وأن آلية التوزيع بموجب المادة 11(3) كان الهدف منها تمهيد الطريق باتجاه نقل السلطة كاملةً إلي المدنيين. لكن هذا التفسير يتجاهل الظروف التي تم فيها التفاوض على الوثيقة الدستورية والاتفاق عليها بين القادة المدنيين والعسكريين. كما هو مذكور أعلاه، فإن قيادة الجيش بعد الإطاحة بحكومة البشير لم تكن ترغب في تسليم السلطة إلى المدنيين. ولم تتشكل حكومة بعد نجاح الثورة إلا بعد موافقة القادة المدنيين على تقاسم السلطة مع قادة الجيش في مجلس السيادة الانتقالي. ويشير هذا إلى أن هدف الأطراف ونيتهم كانا في الواقع تقاسم السُلطَة. هذا الغرض حاسم في توفير السياق لحل هذا الغموض في الصمت لصالح التفسير الأول.
علاوة على ذلك، تشير الوثِيّقَة الدستُوريّة في ديباجتها وفي المَادة 4(1) إلى الهياكل الديمقراطية باعتبارها الهدف الرئيسي للفترة الانْتِقَالية. تنَصْ الوثِيّقَة على أن ولاية الفِتْرة الانْتِقَالية تشمل إنشاء آليات لاعتماد دستور دائم (المَادَة 8(9)) وعقد مؤتمر دستوري قبل نهاية الفِتْرة الانْتِقَالية (المَادَة 8(10)). إن تجديد مواقيت توزيع السلطات، الذي نَصْت عليه المَادَة 11(3) خلال الفِتْرة الانْتِقَالية، لا يتعارض مع هذه الأهداف. تنطبق نفس الحجة على الإشارات التي أسستها الاتفَاقية بان ايلولة الحكم الى سلطة مدنية يعد هدفاً دستورياً للفترة الانْتِقَالية (على سبيل المثال، انظر الفصل 2 والمَادَة 1 والمَادَة 8.2 من الاتفَاقية).
الخاتمة
باختصار، تنَصْ المَادَة 7(1) من الوثِيّقَة على فترة انتقالية مدتها 39 شهراً، بينما تنَصْ المَادَة 11(3) من الوثِيّقَة على مواقيت زمانية لتبادل رئاسة مَجْلس السِيادة باستخدام نفس الإطار الزمني البالغ 39 شهراً المحدد في المَادَة 7(1) ، مما يعني أن المادتين تتحدثان عن نفس الفِتْرة.
إن إشارة المَادَة 11(3) إلى مايو 2021 هي مجرد توضيح لتفعيل المواقيت المحددة: جوهر المَادَة 11(3) هو التوقيت المحسوب بالأشهر. إذا كان القصد هو أن يكون تاريخ مايو حداً أقصى ثابتاً، كان النَصْ سيتضمن صياغة لتأسيسه على هذا النحو (على سبيل المثال، كان سيتضمن عبارات مثل “في موعد لا يتجاوز”، وما إلى ذلك).
كانت إشارة الاتفَاقية إلى فترة انتقالية مدتها 39 شهراً تبدأ عند التوقيع على الاتفَاقية، بمثابة تجديد للفترة الانْتِقَالية التي نَصْت عليها المَادَة 7(1). تستخدم الاتفَاقية باستمرار مصطلح “الفِتْرة الانْتِقَالية”، وهو مصطلح محدد مستخدم في الوثِيّقَة وليس مفهوماً عاماً. ومما يعزز هذا الاستنتاج حقيقة أن الوثِيّقَة والاتفَاق حددا طول الفِتْرة الانْتِقَالية بـ 39 شهراً؛ ستكون مصادفة غريبة لو كان الحديث فيهما عن فترتين انتقاليتين مختلفتين، وليست فترة واحدة، رغم اتفَاقهما في عدد الشهور.
على الرغم من أن تجديد الفِتْرة الانْتِقَالية للمادة 7(1) لا يتطلب بالضرورة وتلقائيًا إعادة حساب المدة الزمنية لتوزيع سلطة القيادة داخل المَجْلس بحسب نَصْ المَادَة 11(3)، فإن الحجج المؤيدة لمثل هذا التجديد تفوق الحجج المعارضة. إنها نفس الفِتْرة (39 شهراً)، لذا فإن تجديد إحداهما يتطلب تجديد الأخرى، وذلك لعدم وجود ما ينص بشكل محدد وصريح علي خلاف ذلك في الاتفَاقية. علاوة على ذلك، فإن الغرض من الوثِيّقَة يدعم هذا التفسير: المَادَة 11(3) هي هيكل لتقاسم السُلطَة (وليس عملية انتقال في اتجاه واحد تؤدي إلى سيطرة مدنية) تبدأ من جديد عند إعادة حساب مدة الفِتْرة الانْتِقَالية.
في النهاية، يؤدي هذا التحليل إلى تاريخ تسليم جديد، يُحسب على أنه 39 شهراً من تاريخ التوقيع على الاتفَاقية. هذا التاريخ هو 3 يوليو 2022.
بالنسبة للكثيرين، قد لا يبدو هذا عادلاً، لأنه يمحو ما يقرب من 14 شهراً، تولت فيها القيادة العَسكَرية فعلياً رئاسة مَجْلس السِيادة قبل التوقيع على الاتفَاقية. ومع ذلك، فإن أحكام كلتا الوثيقتين الملزمتين تؤدي إلى هذه النتيجة. من الناحية العملية أو السياسية، كان بإمكان القادة السياسيين في السُودانْ بالتأكيد أن يقرروا تغيير ترتيبات ومواقيت انتقال رئاسة المَجْلس إلى المدنيين، ولكن من الناحية القَانُونية، لا يمكنهم فعل ذلك إلا من خلال اتفَاق سياسي، يتكيف مع النظام الدستُوري من خلال تعديل دستوري.
إن الوضع الحالي غير الدستُوري، وغير الديمقراطي بشكل صارخ في السُودانْ ما كان من الممكن تجنبه من خلال الإجابة بوضوح على هذه الأسئلة النَصْية. وعلى أي حال، كانت القيادة العَسكَرية في السُودانْ غير راغبة في الدخول في أية مناقشات أو مفاوضات قَانُونية أو سياسية جادة فيما يتعلق بموعد التسليم. ومع ذلك، فإن بروز هذه المسألة، والحجج التي ظهرت معها، نتيجة لعدم وجود إجابة نهائية لها، من بين عوامل أخرى، دفع قيادة الجيش إلى تنظيم انقلاب على الحكومة الانتقالية، الأمر الذي يهدد الآن أمن واستقرار البلاد. إن هذه التجربة المؤلمة، تبيِّن الأهمية الحاسمة للصياغة القَانُونية الشاملة والدقيقة في ترتيبات تقاسم السُلطَة خلال الفترات الانْتِقَالية، والعواقب الوخيمة المحتملة للغموض النَصْي.
* دكتور نصرالدين عبدالباري كان وزير العدل في حكومة السودان الانتقالية، وكان محاضراً بقسم القانون الدولي والمقارن بكلية القانون بجامعة الخرطوم. ** دكتور سامي عبدالحليم سعيد هو المدير القطري للمعهد الدولي للديمقراطية والعون الانتخابي (International IDEA). تم نشر النسخة الإنجليزية الأصلية من هذا المقال بموقع Just Security التابع لمركز ريس للقانون والأمن بكلية القانون بجامعة نيويورك.