أخر الأخبار

💥قضية دارفور وأزمة الخطاب السياسي*

**▪️خطاب زائف لأزمة حقيقية*

*▪️خطاب المظلومية ووعي الضحية*

*✒️د. احمد بابكر*

كل ثورات التغيير الكبرى في العالم سبقها عَمل تنويري كبير، ساهم في تحصينها من الردة وساعد على استمراريتها وعنفوانها ..
وقوع السودان لفترات طويلة من تاريخه، تحت الحكم العسكري عمد إلى خنق عملية التطور الوطني الديمقراطي من جهة، وإلى إرجاع المجتمع إلى عناصره الأولية من جهة أخرى، كمؤثر في العمل السياسي وفي سلوك وثقافة المجتمع وهذا ماسماه المهندس عادل خلف الله “بالوعي الارتدادي” ،والذي بلغ ذروته في ال30 عاما الأخيرة من حكم الاسلاميين، هذا الجمود المعرفي والثقافي الذي مارسته الانظمة الاستبدادية، عبر تجفيف مصادر المعرفة وتعطيل عملية الحوار السياسي والثقافي،والتي لاتنمو ولاتزدهر إلا في ظل الحريات، كان له تأثيره الكبير، في الخطاب والسلوك السياسي، والذي كان له تجلى واضح في كثير من التناقضات التي نراها، ومنها ان البعض من الذين يدعون للتغيير ويخرجون في التظاهرات وربما يتعرضون للقتل “يجاهرون برفض الحزبية وفي ذات الوقت ينادون بالديمقراطية” ،هذا التناقض هو نتيجة مباشرة لغياب التنمية السياسيةوالمعرفية،ولكن يظل التجلي الأبرز للأزمة هو الخطاب السياسي الذي تعتنقه حركات الكفاح المسلح في دارفور وكثير من المشتغلين بالشأن العام، والذي يعبر عن عمق الأزمة، التي نحتاج لتجاوزها فعلا، اذا أردنا تغييرا حقيقيا وجوهريا..
في هذا المقال سوف اركز على أزمة الخطاب السياسي الذي رافق الحديث عن أزمة دارفور…
▪️ازمة الخطاب السياسي: بداية عمد هذا الخطاب إلى تجزئة أزمة التطور الوطني والايحاء بأنه لاتوجد أزمة إلا في دارفور، وبعض المناطق التي درج البعض على تسميتها بالمناطق المهمشة، لذلك كان انتزاع الأزمة في دارفور من مجمل سياق أزمة التطور الوطني خطأ استراتيجيا ، اضر بدارفور ، الشئ الذي انتهى بخطاب الحركات لأن يكون عدائيا ضد مكونات الوطنية السودانية الأخرى سواء داخل الإقليم او خارجه،وجعل منه خطابا ابتزازيا تجاه السلطة في الخرطوم،(ايا كانت هذه السلطة…)
▪️هذا الخطاب الانعزالي والمنكفأ عبأ مواطني دارفور بأن أزمتهم الحقيقية السبب فيها ، هم الجلابة و العرب في داخل الإقليم و ماتم تسميتهم بأهل الشريط النيلي وكل الأحزاب السياسية والتي اطلقوا عليها احزاب المركز حتى يحجموا دورها وينفرد قادة هذه الحركات بأنهم الممثلين الوحيدين للأقليم، وعلى اثر هذا الخطاب، تم إخراج جميع مواطني الإقليم من المساهمة في الصراع السياسي الذي يجب أن يضم غالبية الشعب السوداني في كفة ضد تحالف الاستبداد والفساد ،وهو تحالف لادين ولاقبيلة له،
طبيعة الصراع حسب رؤية هذه الحركات ، أضعف العمل السياسي المدني في الإقليم مما جعل مصلحة الإقليم تحت رحمة لوردات الحرب وزعماء القبائل وطموحاتهم السياسية .
تقزيم طبيعة الأزمة في دارفور بابعادها عن مجمل الأزمةالوطنية،ازاح عنها أي غطاء تحرري وديمقراطي وحداثوي، بل رمى بها في اتون القبلية والاثنية، مما جعل من هذا الخطاب في حد ذاته، أحد أكبر الازمات في الإقليم بل ومهدد لوحدة البلد بشكل عام، لدرجة ان القبائل اصبحت تستعين في صراعاتها بامتداداتها في تشاد وبقية دول الجوار، بمعنى آخر انحراف الصراع عن وجهته الوطنية وتحوله إلى صراع قبلي واثني .
ونتيجة لسيادة خطاب التحشيد للحرب وهو خطاب تكتيكي بطبيعته وخطاب زائف لأزمة حقيقية، بديلا عن الخطاب السياسي المدني المنفتح والقابل للتطور،انتج خطاب الحرب عناوين العداء والتفتيت والكراهية، اكثر من قدرته على ان يكون جسرا للمواطنة.
واكثر من ذلك ثبت عدم قدرة هذا الخطاب على تحويل هذه الحركات لمنظومات مدنية ديمقراطية تساهم مع القوى السياسية في عملية البناء الوطني الديمقراطي…
▪️هذا الخطاب انتج قادة عسكريين اكثر من ان يكونوا سياسيين، ولذلك اصبحت هذه الحركات اسيرة لرؤية ومصالح هذا الزعيم او القائد، والمرتبطين به سواء اسريا او قبليا او مصلحيا،والذي يستخدم الحركة في المساومات واستقطاب المكاسب الخاصة(الآن زعماء الحركات اصبحوا شركاء مع حميدتي عدو الأمس في الدهب وووالخ).
هذا الخطاب السياسي القاصر جعل من القتال في حد ذاته مهنة ذات عائد مجزي لأبناء الاقليم ، ساعد في ذلك غياب التنمية.
▪️من جهة أخرى انتج هذا الخطاب ثقافة المظلومية ووعي الضحية كما يسميه العزيز عباس فجار (الخطاب الشكوي) ، والذي يرمي بكل المسؤولية في حل الأزمة على كاهل الآخرين.
▪️خاتمة:
أحدث الصراع المسلح في دارفور فراغ سياسي مدني عريض، تم ملأه بهيمنة زعماء القبائل ولوردات الحرب..
لذلك يجب ملء هذا الفراغ عبر تمدد القوى السياسية المدنية المتجاوزة للقبلية وان تتحمل مسؤوليتها التاريخية في عملية التنوير والتوعية لادخال جماهير هذا الإقليم الكبير في صلب عملية التغيير مما سيسرع بعملية البناء الوطني الديمقراطي ..
وعلى شباب الاقليم والمستنيرين الانخراط في القوى السياسية الوطنية بكثافة، وذلك لطرح خطاب وطني تقدمي ديمقراطي، يتجاوز الخطاب البائس الذي يهيمن الآن على الساحة..
هناك قوى سياسية مثل حزب الأمة لها وجود تاريخي في الاقليم لكن للأسف لم يعمل الحزب على خلق تيار وطني ديمقراطي داخل الإقليم انما تماهى مع الوضع الاجتماعي القبلي كما هو، دون العمل على نقله لمرحلة اكثر تقدما.
بالتأكيد ان هناك صعوبة في العمل السياسي المدني داخل الإقليم لانتشار ثقافة الحرب وتداعياتها وكذلك لأن العمل السياسي الديمقراطي سيخصم من امتيازات زعماء القبائل ولوردات الحرب الذين يعملون على المحافظة على الأوضاع التخلف كما هي، باعتبارها مدخل للسمسرة والمكاسب…..
▪️العمل السياسي المدني والديمقراطي هو الطريق الوحيد لإنجاز عملية التغيير الاقتصادي والثقافي والسياسي.
▪️العمل السياسي المدني هو الكفيل بإزالة الغبن والاحقاد بقدرته الفائقة على رتق النسيج الاجتماعي، لأن الصراع والتنافس سيتم على برامج ورؤى وعبر ادوات غير عنفية.
▪️العمل السياسي المدني المنضبط سوف يقضي على خطاب الكراهية والذي يشكل دائما الأرضية لاستخدام العنف.
▪️ لاحل لأزمة دارفور او الشرق او غيرها إلا في اطار الحل الشامل لأزمة التطور الوطني ..
وهي أزمة تحتاج لآليات سياسية وثقافية وتشريعية وتنموية..
#احمد_بابكر
28نوفمبر 2021م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى