أخر الأخبار

قصتي في حركة تحرير السودان كما عايشتها (٧)

بقلم:منتصر ابراهيم
مواصلة لمسألة التخطيط القبلي والعرقي للصراع في دارفور، نلحظ تغييب عنصر المكونات العربية ، وحصرهم في الجانب الخاطئ من التاريخ كاشرار وقتلة وجنجويد بصورة مطلقة ، طبعاً تمت هذه العملية بصورة متعمدة ومقصودة بتكثيف محدد لعبارات وتوصيفات محددة من جانب الحملة العالمية التي دفعت في إتجاه (عولمة ) حرب دارفور وجعلتها في صدارة الانباء العالمية وفي دوائر صناعة القرار ؛ وانطلقت هذه الحملة متزامنة مع بداية اندلاع الحرب في دارفور ، لكنها اختطفت التعبير الرسمي عن ما يحدث في الواقع ووجهتها وجهتها التي اختلط معها الحابل بالنابل ؛ في الوقت الذي كانت تدور فيها ( حرب اخرى بذات التكلفة البشرية وذات المعطيات ) ، ولكن لم تجد النظر الكافي والمعالجة على النسق الذي تم لجزء من الازمة ؛ وحتى الآن نلف وندور في متاهتها ، ولا يزال السودانيين أنفسهم ينظرون إلى دارفور من خلال بؤرة عدسة العولمة ، وتوصيفاتها وأشكال معالجاتها ، وما صدرته وكالات الأنباء العالمية وتقارير البعثات الدولية ، وأكثر عبارة ملغمة وسلطوية لما يعرف بالمجتمع الدولي ( المجتمع الدولي قال كدة خلاص انتهي الكلام ) .
Flash Back
في بداية اندلاع الحرب في دارفور في ٢٠٠٣ ، كانت مفاعيل الصراع الاهلي ماثلاً وبشكل متواتر تحدث صدامات ، إلا إنه قد بدت ملامح توترات امنية نوعية تحدث وتعزيزات تعسكرية تُنقل الي دارفور ، والخرطوم بدأت في تجهيز قيادة عسكرية متكاملة تحت شعار بسط هيبة الدولة بقيادة الفريق الدابي ممثلا للرئيس ، ومع اشتداد حِدة المعارضة وضغط الحراك السياسي ، انفجرت الاوضاع وحدث إجتياح كبير لمطار الفاشر من حركة تحرير السودان ، وهنا في الخرطوم خرجت دارفور كلها من اوساط الصفوة السياسية وجماهير الحركة الطلابية الى الشوارع ، الحدث الاضخم كان بغرض تسليم مذكرة للأمم المتحدة ، (منحى سياسي جديد ) ؛ لا اظن ان الجنوبيين كانوا يفعلون ذلك ، او ما يحدث في جبال النوبة مثلاً ما كان الضغط السياسي تأخذ وجهتها نحو مباني الامم المتحدة ؛ فكانت المسيرة اضخم حدث سياسي يواجهه النظام في الخرطوم ؛ وتشكلت في أوساط الحركة الطلابية قطاع طلابي مناهض لسياسات النظام ومناصر للمتمردين بإسم تجمع روابط طلاب دارفور ؛ إلى أن بدأت تأخذ الامور مناحي اخرى ، ظهرت جبهة طلاب دارفور يضم بشكل رئيسي ابناء القبائل العربية يختلف خطابه في بعض الجوانب عن خطاب تجمع روابط طلاب دارفور ، وإن كانت السمة الرئيسية لها معارضة حكومة الانقاذ بنفس القدر غالب عناصرها ذوي خلفيات بعثية وناصرية ، وعلى الجانب الآخر ، انقسم تجمع روابط طلاب دارفور الى فصيلين ، فصيل يجمع زوي توجهات إسلامية نوعاً ما مناصرة بشكل خاص لحركة العدل والمساواة غالبيتها من الزغاوة طبعاً من فرع ( يسمى زغاوة كوبي ) التي ينحدر منها خليل إبراهيم ، والتجمع الآخر مناصر لحركة تحرير السودان بقيادة مناوي فسيفساء من تكوينات مختلفة زوي توجهات علمانية ، وكنت أنا في الجانب الآخر من الحركة اسسنا الجبهة الشعبية المتحدة UPF مقربين أكثر الى الجبهة الوطنية الافريقية ANF بحكم قرب عبدالواحد من الحركة الشعبية . كل هذه التطورات حدثت في ظروف متسارعة بصورة دراماتيكية ، لم أنتبه لهذا الواقع إلا بعد أن ذهبت إلى الميدان ؛ ومنذ ذلك الوقت كنت افكر في الثورة بين النظرية والواقع او الثورة بين الواقع والمثال ؛ فاكتشفت أن رفاقي في UPF كانوا يعبرون عن سيطرة فوراوية ، وهذا الميدان ميدان سيطرة زغاوية ، واؤلئك في الجبهة كانوا يستميتون في تبيين بعض الحقائق حول اهلهم العرب ؛ مع أن هذا الفرز في نهاية الفعاليات السياسية يتعايشون كدارفوريين عاديين وناس طبيعيين .أين الثورة إذن ، هذا الأمر يُصيب بالجنون ، هي حرب اهلية إذن لا ثورة ولا يحزنون.
هذه التقسيمات ، لابد أنها مخطط لها ؛ وعلى أساسها تم دفع الناس إليها دفعاً ، ويبقى الحديث عن ( الثورة) حديث بلا معنى ، او حديث عن محتوى يخالف الإطار . فبدلاً عن الحديث عن التحرير والديمقراطية والعدو الايديولوجي ممثلاً في الاسلاميين ؛ وجدنا انفسنا نغرق في الحديث عن الحاكورات القبلية والعدالة الدولية من اوكامبو والعرب الجنجويد ، والحديث عن العدل والمساواة واختلال موازين السلطة والثروة في السودان الى الحديث عن حركة ( الكوبي ) ، وفجر الترابي قنبلة من العيار الثقيل في ندوة بالميدان الغربي لجامعة الخرطوم حديثاً بذيئاً عن ( الغرباوية والجعلي ) ؛ قال ، نقله أحدهم عن البشير ، ساستطرد قليلاً حول هذه النقطة ؛ واقول أنه ينتابني يقين من نوع ما ، من أنها من بنات الخيال المريض للترابي ؛ فالمقولة والاسلوب من ناحية ، تنسجم تماماً مع شخصيته السايكوباتية الكارهة للمجتمع ، ونزعته الميالة للفتنة والتلاعب بالعقول ، واسلوب الهمز واللمز ( المطاعنات ) بطريقته المسرحية ؛ ومن ناحية أخرى ، تعتبر القصة مفارقة لإدعاءات الواقع ، إذ أن اتهامات الاغتصاب لم تكن موجهة نحو الجعليين ، فهو قتال بين الدارفوريين فيما بينهم . الترابي الله يرحمه كان رجلاً لعيناً ؛ ربما يشعر بتفوقه على نفسه في قدرته على التلاعب بعقول الغرابة فلو اتيحت لك الفرصة ورأيتهم متحلقين في صالونه الوثير لادركت ذلك . الترابي لا يتورع عن التعبير عن سخائم النفوس والسياسة باساليبها القذرة خصوصاً وقد كانت تحرقه المرارة والغل تجاه تلاميذه ؛ أضف الى ذلك فمن غير اللائق اخلاقياً من رجل في مكانته ( الظاهرة ) أن يتحدث بهذا الاسلوب المشعل للفتنة ، البشير قد يكون بريئاً من ذلك الإفتراء .
بالعودة إلى واقع ديناميات الصراع في دارفور في بعدها التاريخي ، مختلفة الى أبعد الحدود عن ما ألفناها من سردية قدمت العرب كمجرمين وغيرهم من الزغاوة والفور والمساليت كضحايا مساكين تتم ابادتهم واغتصاب نساءهم ، بقصد تطهيرهم عرقياً ؛ بل وبلغت المبالغة أن تمت إحياء فعاليات أمريكية للشباب في متحف الهولوكوست بنيويورك لربطها بمحرقة اليهود ونحو ذلك ؛ الواقع كما يتكشف للسودانيين الآن أن الأمر مجرد صراع من أجل السلطة ، وأزمة دولة مضطربة وفاشلة في بناء عقد إجتماعي للمجتمع كانت تستثمر سياسياً في الحرب الأهلية ، وأن جرائم الحرب والانتهاكات يمكن أن تقع هنا وهناك بنفس الوحشية ، وإن اختلف المقدار لكن لا يختلف النوع ، فقط من يستطيع حشد الأكاذيب يمكنه تحقيق المكاسب ؛ وإن وقعت أفظع الجرائم ، والاسوأ من ذلك أن يكون الأمر كله مجرد Game لصالح جهات أخرى .
دارفور شهدت نزاعات قبلية بين كل مكوناتها ، بدون حدود فاصلة على الأسس الاثنية ، وتلعب ديناميات مختلفة في تفجير أي نزاع ، وفي الغالب تدور حول الموارد والأرض ؛ وبالطبع تقف الكوارث الطبيعية كالجفاف والتصحُر على رأس هذه الديناميات التي بدأت في التصاعد منذ اواخر الثمانينات حتى انفجرت على نطاق واسع متخذاً شكل التمرد المسلح ، وانحرفت نحو مطالب سياسية للمشاركة فى السلطة وقسمة الثروة ونحو ذلك ، ولكن ظلت تحمل في أحشائها خلفية الصراع المحلي على الأرض والموارد الطبيعية ، وتتخلل المعارك على الأرض ممارسات الصراع التقليدي كالغنائم ونهب القطعات والأعمال الانتقامية في مفارقة لخط الشعارات والدعاية السياسية التي ترفعها نخبة الحركات المسلحة ، وفي خضم الدعاية الوطنية من المعارضة والميديا العالمية المناصرة للتمرد ، بالرغم من أنها كانت قبلية صرفة ، إلا أنها تجد العناية والرعاية ، وتتسابق اليها منظمات الإغاثة التي كانت دعم حربي من نوع آخر ، كان جزء من المجتمع من العرب يقعون ضحايا حرب اخرى ، لكن لا احد يهتم ، ولا يجدون أي نوع من المناصرة ، اتجه بعض ابناء العرب الى تأسيس حركات تمرد ، لكنها لم تجد حاضنة دولية للدعم اللوجستي والدخول إلى اروقة ( المجتمع الدولي ) كانت هناك محاولة من جبهة القوى الثورية ايضاً لهم رموزهم وايقوناتهم ، ينادون بعضهم ( بيا كمرد ) ولكن من فرط تغيبهم بالتنميط من كل ماهو نبيل تشعر بأنه لا يلائمهم . جبهة القوى الثورية نشطت في مناطق العرب حول جبل مرة بقيادة الزبيدي الذي استشهد لاحقاً ، وحينما نشط سوق الزبائنية العسكرية تشتتت الحركة في الحركات الكبرى كالعدل والمساواة ، وتحرير السودان جناح التجاني سيسي ؛ طبعا المؤتمر الوطني كان من فنادق الدول يستطيع تكوين حركات يتفاوض معها كحتل تجربة التجاني سيسي ويلحق مليشيات زبائنيين بالترتيبات الامنية ؛ فملف الترتيبات الأمنية كانت وجهة ادارة السياسية في دارفور الي أن سقط النظام …
نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى