قصتي في حركة تحرير السودان كما عشتها

الثورة بين النظرية والواقع (٢)
بقلم:منتصر ابراهيم

واضح أن المؤتمر تم بايعاز من الامريكان وبدعم ليبي كامل من ناحية الترتيبات اللوجستية من كراسي وصيوانات وساوند سسيتم ، كان متوقع حضور مدير المخابرات الليبي عبدالله السنوسي ولكن حضر نائبه .لا اذكر اسمه .
قبل المؤتمر كانت تدور نقاشات بحضور كبار قادة المتحركات ، ويشهد النقاش احياناً نوع من التوتر ، بالطبع كنا نمثل الجانب المتحمس لعقد المؤتمر ( كنا اولاد الأمين العام ، ونعبر عن التوجهات الاساسية لقدومنا ؛ تحديداً من جانبي حيث كنت كثير الحديث بحماس الثوري الشاب ، وفي الواقع كنت أحمق حيث لم أميز أوقات السكوت والكلام ، فكنت اتولى في اي جلسة حشد المبررات والدعاوى لعقد المؤتمر وضرورة حسم الخلافات مع رئيس الحركة آنذاك عبدالواحد محمد نور ؛ بينما اصلاً كان الجميع معبأ بمواقف وتصورات سلبية تجاه عبدالواحد كونه هارب من الميدان وانه رجل جبان ولا يعرف عن الحركة وجنودها اي شي ، وما الى ذلك من أشكال التنميط ، وفي الواقع كانت ضاربة الجذور في شكل انقسام اثني حاد بين الفور والزغاوة . فالزغاوة من حيثيات سردهم لقصة الثورة يصورون انفسهم اكثر المكونات فراسة واقدام والاكثر تضحية وما الى ذلك من طمس حقوق الآخرين وابناء القبائل الأخرى الذين دفعوا اثمان باهظة من القتلى او الشهداء . طبعاً هناك سردية انفصال عميقة بين مكونات الحركة الرئيسية _ قبيلتي الفور والزغاوة ، جانب يتعلق بالحق في القيادة وجانب آخر يتعلق بالموارد ( تترجم هذه الحالة حرفيا دراسة يوسف تكنة عن دارفور صراع السلطة والموارد ) ؛ إذ يسود اعتقاد لدى ابناء الفور بأن الزغاوة يسعون إلى التغلغل في جبل مرة وتخومها وايجاد موطئ قدم لهم في المناطق الغنية ( سردية الجفاف والتصحر في حرب دارفور ) في هذه السردية يستوي الزغاوة مع عرب اقصى الشمال من الابالة كمستوطنين جُدد زاحفين نحو المناطق الغنية بالغطاء النباتي .
المهم كان عبدالواحد يرفض رفض تام حضور المؤتمر وكان يعتقد أن الزغاوة ينوون قتله ، قال لي ذلك حرفياً قبل أن اقرر السفر إلى الميدان ، كنت أستغرب فعلاً خشية عبدالواحد من الموت على يد الزغاوة . على الجانب الآخر في الميدان ، كان يقف سليمان جاموس ضد عقد المؤتمر في هذا التوقيت على الأقل ، وكان وحده تماماً يمثل التوجه العقلاني المعارض لعقد المؤتمر ، لإنه في اعتقاده سيقود الى إنتاج وقائع على الأرض لايمكن العودة منها ابداً ، وهو انشقاق الحركة رسمياً ؛ بينما مناوي كان يسارع عقارب الساعة وعينه موجهة نحو ابوجا بإيعاز من الأمريكان طبعاً روجر ونتر وروبرت زوليك ، الذان كانا يدخلان في اجتماعات سرية في مناطق قصية في الخلاء بعد هبوط طائرة السيسنا في زيارات متتابعة .
ياترى بماذا كانا يغريان مناوي بضرورة عقد المؤتمر ، بالطبع هم يدركون تعقيدات الانقسام القبلي بين الفور والزغاوة .
طبعاً مشاهد التقاء مناوي بالخواجات والمبعوثين الأجانب ، الذين يأتون الميدان متخففين من الازياء الرسمية الفل سوت وربطات العنق ؛ كانوا يأتون ببناطلين الجينز وال T sheart الخفيفة ؛ كانت هذه المشاهد تذكرني بفلم Lord of War ، في احدى المرات جاءت هدية زجاجة ويسكي تقريباً كانت من روجر ونتر وكتاب ضخم عكف مناوي في قراءته ، فقد كان يقرأ كثيراً وهو اكثر ما اعجبني في شخصيته وميوله نحو الإطلاع ، لعله يدرب نفسه على القيادة وبناء قدراته بشكل جيّد ، لا استغرب طبعاً سعيه للحصول على درجة جامعية ، اتمنى يكون صادقاً وتنعكس المعرفة في سلوكياته واخلاقياته .
بالعودة إلى العد التنازلي نحو تدشين المؤتمر وبداية الانعقاد ، ونحن قد حزمنا امرنا للسفر والتوجه نحو القطاع الجنوبي لعقد المؤتمر ، نمى إلي علمنا أن حراس مناوي قد قاموا بالاعتداء على سليمان جاموس ضربوه وقيدوه ايضاً ؛ طبعاً تأتي الخطوة مفهومة في سياق محاولة إسكات الصوت المعارض لمناوي ، خصوصاً من المدنيبن ، فالعسكريين كانوا يستهزأون به ، وكان ابرز هؤلاء القائد ادم بخيت ، رجل قصير ممتليئ الجسم مع رشاقة صبيانية ، يبدو على ملامحه الشراسة والعدائية ذو ابتسامة ساخرة ؛”كان منافساً شرساً لمناوي في الترشح لرئاسة الحركة ، لكن مناوي كان يفوقه تجهيزاً وتنسيق مسبق مع كل القطاعات ؛ واعتقد أن ادم بخيت لم يعمل تحت قيادة مناوي ولا يوم ، ربما انشق تلك الليلة في حسكنيتة ، ولكن تسارع المعارك التي اندلعت مع الحكومة بعد المؤتمر مباشرة ربما تكون حالت دون إعلان الانشاق ، الذي لم يتأخر كثيراً بعد توقيع إتفاق ابوجا ، حيث اعلنت الفصائل المنشقة وحدتها تحت لواء جبهة الخلاص الذي ضم العدل المساواة ، ولاحقاً تشرزمت الحركة الى فصائل كان ابرزها فصيل علي كاربينو الذي تحول لاحقاً الى تجمع حركة تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر .
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى