أخر الأخبار

*الكمبلا … حكاية اسطورة ورقصة مستوحاة من حركات بقر الجاموس*

 

 

ريناس نيوز: عبد الوهاب ازرق

 

 

شكل الاداء ، وطريقة الرقص ، و سحر الغناء ، وسلاسة اللعب ، وتناغم الإيقاع مع اللحن ، وتمايل الراقصين ، و تمدد القرون على الرؤوس ، مشاهد تضعك أمام رقصة شعبية ساحرة استوحت كل تفاصيلها من الطبيعة ، وتتعدد الرويات والاساطير حول كنها ونشاتها ، وتمثل الرقصة الأولى في جبال النوبة ، تطريبا ، وجمالا ، وانتشارا ، واصالة ، و عمقا ، ومضامين ، وتحمل كثير من القيم والمبادئ في طقوسها وعاداتها وتقاليدها الممتدة من بداية شهر سبتمبر إلي نهايته ، ولا ترقص إلا في موعدها .

 

 

الاصل والمنبع

 

يقول الاستاذ عبد السلام كوكو عبد السلام الباحث في التراث السوداني وصاحب كتاب “سبر الكمبلا تراث وفن وقيم ومبادئ” الكمبلا منبعها واصلها بمنطقة اللقوري التي تقع بمسافة “15” كلم شرق مدينة كادقلي ، وهي من مجموعات “داجو” بجبال النوبة ، وتجاورها مناطق تلو ، صبوري ، تكسوانا ، تيسي عبد السلام والمناطق الممتدة إلي الدندور . ويضيف كوكو الكمبلا من اللغة المحلية “كامال” وتعني الرقصة ، والمصارعة ، والمعنى اساسا رقصة مستوحاة من حركات أبقار الجاموس .

 

نشأة الكمبلا

يرجع الباحث في التراث السوداني عبد السلام كوكو حقيقة نشأة رقصة الكمبلا إلي اساطير و روايات شفاهية قديمة متوارثة، تحكي ان مزارعا ثريا أقام نفيرا بمزرعته بالقرية ، وكالعادة يذهب الرجال باكرا تلبية للمشاركة في النفير ، فيما تحضر النسوة لاحقا ومعهن الطعام ، وتقول الاسطورة والرواية مع ذهاب النساء إلي النفير في الطريق ظهر لهن أناس يلعبون رقصة لم يروها من قبل ، بنفس هيئة و شكل ولبس الكمبلا الحالي ، ووقفت النسوة يشاهدن الرقص حتى تاخرن عن الذهاب بالطعام للنفير ، ومع تاخرهن اوفد المزارع شابين لمعرفة أسباب التأخير ، وحضر الشابان واعجمهما أيضا الرقص وبقيا ، الي أن عاد مساء جميع من كان بالنفير ، واصبحوا جميعهم يشاهدون الرقصة الجديدة ، عليهم واندمجوا معها واعجبتهم ، وفجاة اختفى جميع الراقصين ، فيما اصابة الدهشة المشاهدين الذين عادوا الي القرية.

 

نداء الجبل

ويضيف كوكو ، كالعادة زمان عندما يحدث للفرد شئ يطلع الجبل ويطلق نداء ليعلم الجميع بما حصل له ، وهذا ما فعله المزارع الذي ازاع من الجبل ما حدث له بالنفير ، وتسرد الرواية أن المزارع حلم لاحقا بكل التفاصيل التي وقعت بالنهار ، و مطالبته ببناء “قطية” ، وصنع “سوط” يعلق ، وإذا وقع من المكان الذي وضع فيه يحدث صوتا عاليا ، وفي ذلك إشارة لبداية طقوس الكمبلا في شهر سبتمبر مع خيرات المزارع “الجباريك” ، وتضيف الرواية أن المزارع حكى كل ذلك للقرية ، الذين اتفقوا لتنفيذ ذلك ، ويوضح كوكو أن هنالك رويات اخرى عدة تأرخ لنشأة الكمبلا .

 

طقوس الكمبلا

تبدأ الطقوس لبداية رقصة الكمبلا من “بيت اللروا” وهو بيت “الاله” ، “الرب” حسب الاعتقاد ، تنفيذا لما جاء في حلم المزارع كاملا، حيث يبدأ بحلاقة الرأس ، والاستحمام ، ويقوم “امين سر الكمبلا” وهو من اسرة معينة بالوراثة وعادات وتقاليد ثابتة لا تتغير ، ويأخذ السوط الذي يصنع من السعف ، بطول 2 -3 متر بمقبض ، يبدا غليظا وينتهي رفيعا في الامام ، ويضربه ثلاث ضربات كنوع من الطقوس وإعلان بداية الكمبلا ، ويجتمع الشباب ، وكل واحد ياخذ سوط ويذهبون إلي جميع القرى المجاورة ،ويتم جلد كل من يقابلونه بدون زعل او مشاجرة او سؤال ، بعدها يعود الشباب في نفس اليوم او اليوم الثاني بعد الوصول لكل القرى المجاورة إعلانا لبداية طقوس الكمبلا .

 

مواعيد الرقص

يقول كوكو تبدأ رقصة الكمبلا في بداية شهر سبتمبر و تنتهي في يوم 28 من نفس الشهر ، ويمنع رقصها في بقية أيام السنة ، ويضيف خلال هذه المدة هنالك اسبوعا ممنوع فيه الذهاب إلى الزراعة ، ومن يذهب يتحمل نتيجة خطأه ، والمعتقد السائد سوف يحدث له امر خطيرا .

 

راقصو الكمبلا

يقول راقص الكمبلا إدريس إبراهيم حسب الله من قبيلة ميري ، لعبت الكمبلا من العام 1961 – 1967 ، أصل رقصة الكمبلا من قبيلة “اللقوري” وترقصها “17” قبيلة “تكسونا ، تيسي ، كادقلي ، دمبا ، ميري ، كدودة ، دبكاية ، لوبا ، الاخوان ، ماسن ، كوفا ، ليما ، كانقا ، ابو سنون ، كرتي ، تلوك ، ميري جوة ، كدرو “بضم الكاف والدال” ، صقلي ، وكويا . فيما يقول الباحث كوكو تبدأ الكمبلا في ” ام بريص” ، لافتا أن المك “اندو” طلب أن ترقص الرقصة في كرسي المكوكية ، واخذ الإذن لترقص لجميع المكونات ، وبعدها انتشرت واصبحت كل القبائل ترقصها .

 

مراحل الرقص

لترقص الكمبلا وتصل الي قمة الابداع يلزمك المرور بمراحل ثلاث ، افصح عنها الباحث كوكو وقال المرحلة الاولى بعمر تسع سنوات للاطفال الذين يجمعوا في منطقة بحضور أحد الكبار ، وكل واحد لديه سوط ويبدا الجلد والضرب كل واحد للاخر وتعني قوة التحمل ، ثم أعمار 10 ، 11، 12 وهؤلاء الراقصين تمهيدي تبنى لهم بيوت صغيرة خارج القرية ويبقوا فيها اسبوعا ثم يحضر الأهل ويقام احتفال تعميم بمعنى اصبح الطفل رجلا والدخول لبداية الكمبلا ،وتقدم لهم الهدايا مثل حربة اوسيف ، وهؤلاء يتعاونوا فيما بينهم في كل المجالات لمدة ثلاث سنوات ويسمون “الكامال الابيض” ويلعبون في البداية بدون قرون ، وفي السنة الرابعة يقام ماراثون للجري بطول 5 كلم من قرية لقرية ويتوشحون بزهور الخريف ،وبعدها يلعب الشاب بقرون مع كامل الزينة وهي المرحلة الاخيرة .

 

طريقة الرقص

يقول الباحث كوكو ، ترقص الكمبلا بمشاركة الرجال والنساء بصفوف متوزاية لكل عنصر ، مع وجود قائد الفرقة ، ويتم الرقص في شكل دائرة وأحيانا يكون قوس ، أو العكس مع تموج الراقصين ، وتبادل المواقع البداية تصبح نهاية ، والنهاية تصبح بداية ، مع وجود “كسرة” وهي تقدم اثنين أو أكثر من المجموعة في الحلقة ، وتقدم رقصات مختلفة مع ايقاع واحد بلا نشاذ ، ومع الحماس يصدر الراقصين اصوات تحاكي الجاموس “أيوخ” وتعني أنا شجاع أنا اتحمل .

 

الآلات والزينة

 

يقول راقص الكمبلا إدريس إبراهيم حسب الله الآلات المستخدمة في رقصة الكمبلا هي الجرس الذي يصدر صوتا رفيعا ، والكشكوش المصنوع من سعف الدندور وبداخله حجارة صغيرة 7 -8 حجر ، ويربط بالارجل تحدث نغمات تتمازج مع غناء الحكامة ، لافتا أن كشكوش السعف تم تغييره بعلب الصلصة ، ويضيف حسب الله يلبس الراقص فوق راسه قرن بقر الجاموس ، أو البقر العادي ، ورهط مصنوع من السعف ، ويمسك بالايدي ذيل البقر الذي يعطي حركة دافعة وتموج . وتابع حسب الله أما الراقصة فلتبس الثوب السوداني ، وفستان ، وجزمة ، أو مركوب نساء .

 

الغناء

 

يقول حسب الله الغناء يبدأ برمية اولى في الحماس وأغاني الحرب ،ويوجد المارش ، وتمتدح الحكامة الفراس وتمجد البطولات ، ويقول الباحث كوكو يشمل الغناء المدح والذم ، والدعوة إلى النفير والتعاون ، والأغاني العاطفية ، ولها دور تربوي في المجتمع ، ويضيف الرجل النوباوي يفضل الموت وما تتغنى به حكامة ذما ، والبعض يهاجر بعيدا إذا تغنت به الحكامة .

 

قيم ومبادئ

يقول الباحث في التراث كوكو تحمل رقصة الكمبلا الكثير من القيم والمبادئ مثل التعاون والتكافل ، الصبر ، الشجاعة ، العمل الجماعي ، التحمل ، لافتا إن المجموعة التي ترقص معها تكون مثل الاخوان في كل المجالات .

 

اشهر الفرق

تنتشر الفرق التراثية للكمبلا في جبال النوبة ومحلية كادقلي الكبرى هي الأبرز ، وجميع مدن الولاية والسودان ، وابدعت جميعها ، إلا أن فرقة “اسكو” لقوري تميزت التي استخدمت الآلات الموسيقية الحديثة ، وتطورت من الأداء وطريقة الرقص ، كما أنها ترقص رقصات أخرى بجانب الكمبلا ، حيث شاركت في مناسبات عدة داخلية وخارجية . كما توجد فرقة الحاج يوسف .

 

تتميز جبال النوبة برقصات عدة الكرنك ، والبخسا ، والنقارة ، إلا أن الكمبلا تظل عنوان التراث في جبال النوبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى