أخر الأخبار

الهامش وعشوائية الخطاب

 

بقلم: دكتور الوليد ادم مادبو

على بؤس خلفياتهم الثقافية والفكرية، كثير من الساسة السودانيين -لا سيما اولئك الذين قدموا مؤخراً من الفيافي- يرتجلون الخطب فيقعون في أخطاء لغوية وموضوعية سخيفة، اذا لم نقل مقيتة. لماذا لا توكل هذه التقارير الصحفية لمتخصصين يضبطوا فحوى ومنطوق هذه
البيانات احتراماً للمواطنين وتقديراً لافهامهم؟

الغربيون يخاطبون شعوبهم وفق برامج وخطط واستراتيجيات ونحن هنا يلهونا بأمثال شعبية بائسة وأقوال سوقية تافهة، حتى من يتكلم لغة سليمة (أعني هنا الصياغة وليس بالضرورة البلاغة) تراه لا ينجو من التسويف والكذب. صحيح أن هناك فوارق حضارية عظيمة تجعل الانضباط السلوكي عندهم ذات قيمة نفعية وأخلاقية، لكنّه أيضاً النهج التداولي في الحكم الذي يجعل الناخبين يحرصون على انتداب أصحاب التأهيل، الرجاحة والعقل.

كلينتون وهو على ما هو عليه من نباهة (رابع دفعته في جامعة ييل)، كاريزما (ثاني أصغر رئيس للولايات المتحدة)، وفِطْنَة (رابع افضل رئيس من حيث الاداء الاقتصادي)، تمر خطاباته وخطابات أي رئيس أمريكي على ثلاث لجان: مفاهيمية، لغوية، ونفسية/ إجتماعية، ولا يسمح لهم بالتصرف إلا بهامش معقول. أمّا هنا فيتكلم الخطيب بما تجود به قريحته ويهوش فلا تسع المنصة لعرْضاته ورقصاته – الأمر الذي لم نشهده حتى في مناحي قارتنا الجميلة!

قادة المليشيات مشكلة، لأنهم صعاليك يفتقرون إلى التأهيل التربوي والتعليمي، لكن المشكل الأكبر هي غياب المنهجية التي تعتمد البعد الرؤيوي (من رؤية) وتستند إلى مشروع تنموي يخاطب حاجيات الناس اليومية والمستقبلية. فقادة الاستقلال ومن جاء بعدهم – رغم ما اتسموا به من نزاهة ووطنية – لم يكن لديهم مشروع تنموي، وكانت خطاباتهم عبارة عن شعارات، أيديولوجيات، منافسات، مؤامرات وتسوية حسابات.

حتى لا نظلمهم فقد كانت تلك سمة عصرهم، أمّا عصرنا فهو عصر العلم والتكنولوجيا ولا يمكن لنهضة أن تحدث في بلادنا إلّا اذا اعتمدنا الحوكمة وسيلة للاستفادة من هاتين الخاصيتين حسب قول أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، في كتابه “عصر العلم”. لابد أن ترتبط السياسة بالسياسات وأن تعتمد السياسات على المعلومات الدقيقة والإحصائيات.

لا أدري عن الأسس التي تعتمدها الشركات مثلاً في زيادة تسعيرة الاتصالات (وما أدراك ما شركات الاتصالات؟)، المواصلات، الكهرباء، المياه، الغاز، المواد البترولية، المواد التموينية، إلى أخره، ولأي جهة تؤول الأموال المُحصّلة ووفق أي تشريع؟ لم أسمع عن منشور بثته أي جهة منذ مجئ الثورة عن مصادر التمويل ولم أقرأ أي تقرير عن أوجه الصرف. في عدم وجود أي مصدر رقابي فظنّي أن هذه الأموال تنهب مثلما ينهب الذهب، المعادن وسائر الموارد الوطنية.

عشت في دولة قطر ومن قبلها عشت في الولايات المتحدة، فإنني ازعم – رغم فارق الدخل – أن السودان من أغلى دول العالم. أخطر ما في الأمر أن الدولة لا تُعني بالفقير، الأدهى إنها تحتقره. كان التكافل الاجتماعي حتى زمن قريب يسد حاجة الاهل من المحتاجين والمعوزين لكنّ المحسنين وللأسف اُفقروا، الزكاة سُرقت، المروءة قلت، النفوس ضنت، وكل ذلك سببه العشوائية، الغوغائية وسوء التخطيط. وحدها فقط ثورة على غرار الثورة البلشفية قادرة على استنقاذ هذا البلد من براثن العجز والفشل. حينها فقط تحدث النهضة المرجوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى