*رقصات من بلدي ” النقارة” فن و تراث و توحيد الوجدان*
عبد الوهاب ازرق
صوتها العالي والصارخ المتنوع الايقاعات يسلب ارادتك وتتوجه صوبه للاستمتاع برشاقة الرقص ، وتنوع التموجات ، ورؤية الشبال ، ومشاهدة لوحة ابداعية بتراص الراقصين رجالا ونساء ، بخطين متوازيين والاتجاه لبعض وتبادل المواقع ، ثم اللف في نصف دائرة ، أو دائرة كاملة مصحوب برقص متنوع ومتعدد ممزوج بحركات بهلوانية باتقان واريحية ، مع ملابس مزركشة وملونة تعطي بعدا آخر في لوحة متكاملة ، تخلب الألباب ، وتبهر الأعين ، وتسحر كل من ساقته قدماه وراء صوتها الجهور ، اللعبة الشعبية الاولى للقبائل العربية بجنوب كردفان وتتفوق على المردوم والدرملي بشعبيتها ، و تطرب لها كل المكونات المجتمعية ، ويبدع فيها راقصون كثر ليسوا ذا انتماءات عربية ، تجسيدا للتعايش السلمي ، وامتداد للانصهار المجتمعي .
حقيقة الاسم
يقول بشير محمد علي حامد ” تقلو” رئيس فرقة “فرح السلام” بمحلية القوز الذي يعمل ترزيا بسوق الدبيبات ، اسم النقارة جاء من النقر بالعود عليها ، فيما يقول حامد موسى حامد قادم رئيس إتحاد الفرق التراثية بمحلية ابو جبيهة اسم النقارة قديما قبل الثورة المهدية ، ووظائفها تضرب في الفرح ، والحرب وهنالك نقارة حربية ، والتنبيه في حالة توهان فرد من القبيلة تنقر النقارة عند سماعها ويعرف التائه الإتجاه ويعود للجماعة .
راقصو النقارة
يقول رئيس الفرق التراثية بمحلية ابو جبيهة ترقص النقارة كل القبائل العربية المتواجدة بجنوب كردفان الحوازمة ببطونها الرواوقة بكادقلي ، اولاد عبد العال بالدلنج الكبرى ” الدلنج ، هبيلا ، الدبيبات ، والحمادي” ، والحوازمة الحلفا بمناطق ام برامبيطة ، وأبو كرشولا والفيض ، عطفا على البني هلبة ، و التعايشة ، و البديرية ، و كنانة عندهم رقصة “البليل” التي تختلف قليلا ، وعند الكواهلة رقصة ” أم ثوري” ، لافتا لوجود رقصات مجتمعية اخرى للمكونات النوبية المحلية الكرنك ، لويرني رقصة ……، والفلاتة رقصة العصا ، لافتا أن النقارة يرقصها حتى بعض المتعايشين من غير القبائل العربية ، مما يعكس تمازج القبائل والتعايش السلمي .
الآلات المستخدمة
رئيس فرقة فرح السلام بالدبيبات “تقلو” يقول الآلات التي تستخدم في رقصة النقارة ، هي النقارة ذات الحجم الكبير ، والنقارة الصغيرة وتسمى “التنبل” ويعلق الاثنان في “شعبة” جزع شجرة ثلاثي القوائم ، والآن استبدل بالسيبيا المصنوعة من الحديد ، واضاف تستخدم عيدان غلاظ للضرب على النقارة و رفيعة للنقر على التنبل وجميعها مصنوعة من شجر ” المنضراب” الذي يشبه شجر القضيم ، لافتا أنه لا ينكسر بسهولة ، كما تصنع العيدان من شجر العرد .
صناعة النقارة
كشف حامد موسى حامد قادم أن النقارة تصنع من الخشب وتكسى بجلد البقر النئ ، وكذلك التنبل . فيما قال “تقلو” أنا أعمل في صناعة النقارة منذ سنوات ، وتصنع من انواع متعددة من الشجر ابرزها “الزان” ، “أبو ليلة” ، “الحراز” ، “الحميض” ، “ام بيوضة” لقوتها . وسرد “تقلو” كيفية صناعة النقارة التي تبدأ بقطع جزع او فرع كبير من الشجرة المختارة بطول متر بدون عقد وتشوهات تعيق عملية الصناعة ، و تابع تضع الشجرة في حفرة على الارض طوليا ، ويتم تجويفها بالاتجاهين عبر الآلات “عتلة حفر دغرية” ، “عتلة برأس اعوج” ، و قدوم نجارة” للتسوية من الداخل والخارج ، “السنبك” يساعد في التجويف والتخريم ، “المبرد الخشن” للتسوية ، لافتا أن الاتجاهين في النقارة لا يكونا بنفس الحجم ، احدهما يكون اكبر من الآخر ، أما في ” التنبل” الاتجاهين يكونا متساوين في الحجم . واضاف ” تقلو” ثم يقطع جلد البقر النئ حسب دائرة حجم النقارة ، ويخرم بنفس العدد في الاتجاهين ، ويوصل بقطع طويلة “سيور” من الجلد وتوصل وتربط من الاتجاهين ،ويتم التجليد ، وتوضع على شيالة ، وتعرض للشمس بعد ان تجف يحلق شعر الجلد ، ومسحه بملح وودك وتعرض للشمس ، بعد ثلاثة أيام تكون جاهزة للاستخدام . واوضح تتلف النقابة بعد 15 – 20 يوما حسب الاستخدام ، وبعدها تصنع اخرى جديدة ، وتابع سعرها الآن 20 الف جنيه ، وسعر الجلد اصبح ب”3″ الف جنيه ، ونبه أن “التنبل” اصبح يصنع من الحديد .
ايقاعات متنوعة
يوضح “تقلو” للنقارة اصوات متنوعة حسب العزف عليها ، “النقارة” صوتها عالي وجهور ، و”التنبل” صوته رفيع ومعا وبهما يكون الإيقاع الحقيقي ، ويحدث توازن بالنغمتين ، لافتا أن العزف يكون لصاحب الخبرة والدربة والمدرب ، ونادرا ما يكون هناك من يعزف على النقارة والتنبل ، عدا “الجلكسي” النور بشير محمد علي الذي برع في العزف لنقارة الحوازمة والمسيرية .
راقصو النقارة
قال حامد موسى حامد قادم يرقص النقارة الشباب من الجنسين باعمار 13 – 25 سنة ويزيد قليلا ، والرقص للكبار يكون للمجاملة ، وإذا كان صاحب المناسبة .
أزياء وزينة الرجال
عدد “تقلو” زينة الراقصين من الرجال في رقصة النقارة واجملها في ” العراقي البلدي” ، و فوقه ” الشبكة ” وهو قماش ملون مزين بحرير وقماش متعدد الألوان ، وتسمى ” شبكة الاتصالات الدولية ” ، و “السروال أبو تكة” ، و”الشراب” ، و”الكشكوش” المصنوع من سعف شجر “الدندور” او “الدليب” الذي استبدل ببلاستيك صورة الأشعة لقوته ، وداخله توضع حجارة ، وزاد “تقلو” يلبس الراقص جزمة خفيفة مثل “باتا” ، ويضع على راسه ريش النعام والتمائم المصنوعة من السكسك ، ويحمل في الأيدي عدد “2” فوطة من القماش الكبير والصغير ، وتستخدم بعمل تموجات تعطي معنى للرقصة ، لافتا أن العصا كانت تستخدم سابقا ، والآن اختفت تفاديا لاصابة راقص آخر ، ولفت حامد موسى حامد قادم أن الرجال يلبسون ريش النعام الذي يجلب عبر الصيادين ، ويتميز الراقص بالدبورة وهي مجموعة ريش نعام اسود وريشة واحدة بيضاء توضع في الراس .
أزياء وزينة الراقصات
وكشف “تقلو” تلبس الراقصة للنقارة فستان ساتر من قماش الاندونيسي ، او برج العرب ناصع البياض ، او تترن برتقالي ، او ليموني ، ويكون موحد للراقصات ، و”الشبكة” مكونة من الحرير والريش توضع فوق الرأس ، لافتا أن ريشة النعام الواحدة سعرها “2” ألف ، وتلبس الراقصة ” الكشكوش” ، والجزمة “باتا” ، وتحمل “2” فوطة ومنديل ، مشيرا أن مشاط شعر الرأس يكون “قندول” للغير متزوجات ، و مشاط ” مساير” و ” قادرية” للمتزوجات .
اوقات الرقص
يقول “تقلو” ترقص النقارة في كل اوقات السنة ، وتتوقف في الخريف للزراعة ، تستأنف عقب الحصاد ، منبها تلعب أحيانا في الخريف في حالة الزيارات الرسمية والمناسبات القومية والاعراس ، واوضح عن مشاركتهم في المناسبات القومية بالولاية والخرطوم . ويقول حامد موسى حامد قادم ترقص النقارة في كافة المناسبات القومية والاجتماعية ، مؤكدا مشاركتهم في مهرجان جنوب كردفان للثقافة والتراث والاستثمار وفوزهم بالمركز الأول في الرقصات الشعبية .
اغاني الرقصات
كشف حامد موسى حامد قادم ان رقصة النقارة تلعب بايقاعات دون غناء ، وتابع الغناء المصحوب للرقص يكون في رقصة “المردوم” ، والدرملي ، وهي رقصات بغناء فقط و”صفقة”احيانا دون الآلات الايقاعية ، والاغاني للمشكار ، وعاطفية ، حماسية ، ويشارك فيها كل الأعمار
رقصات لها جمهورها من كل الاثنيات ، وتضيف تنوعا وبعدا جماليا ، وتعضد التعايش السلمي ، وبمثلما توحد الوجدان فرحا وانتشاء بالنقارة ، والكمبلا ، والكرنق ، والبليل ، وأم ثوري ، نريد الافئدة تتوحد ضد العصبية والاثنية ، وتوظيف التراث لمناهضة خطاب الكراهية ، والتعايش السلمي ، وصولا لتحقيق السلام المجتمعي و للتنمية .
