مسرحية الإنقلاب أبطالها هواة … محمد مصطفى الزاكي

صدى الواقع

محمد مصطفى الزاكي

مسرحية الإنقلاب أبطالها هواة

كان ثلاثاء الأمس ثقيلٌ وأخبار الخرطوم لا تُطَمْئِن، القنوات نشرت كل كاميراتها لكن المراسلين عجزوا عن كشف المستور خلف ستار المحاولة المزعومة، فقط قالوا أن الفاعل ضابطٌ برتبة اللواء تجرأ بركوب رأسه والدبابة، وتعمَّد خوض مغامرة غير محسوبة النتائج.
بحسابات المنطق، الأمر غيرُ متوازن الأركان، فكيف يمكن تنفيذ عملية إنقلابية على حكومة، قامت على أساس ثوري؟ كُوُّنت من قوى سياسية غير متجانسة ومجلس عسكري (لحم رأس)، سندتها هتافات شارع ثائر، لازالت أدخنة إطاراته المحروقة تتصاعد في سموات المدن…ثم لحقت بها قوى سياسية عسكرية ذات طابع ثوري (عصير مشكل) بإتفاق سلام مشهود له دولياً؟.
إذا فرضنا أن للإنقلابيون قدرات خارقة، مكنتهم من التنسيق مع كل هذه المكونات العسكرية(جيش بكل وحداتها المختلفة، الدعم السريع، جهاز المخابرات الوطني، الحركات المسلحة التي تتجاوز عددها الرقم عشرة وجميعها مضججة بالسلاح ومنتشرة في الخرطوم) والتي يتطلب إختراقها أولاً والسيطرة عليها ثم الإعلان عن الإنقلاب.
كيف يمكن لهؤلاء ضمان التأييد السياسي بعد الإنقلاب؟، في ظل متغير لا يستسيغ فكرة العودة لمربع الأنظمة الدكتاتورية، التي أثبتت فشلها في التجربة السودانية، وفي ظل واقع إجتماعي غير متَّزن، كلٍ يسابق الزمن لنيل الحقوق من جيوب الخرطوم، والتي صارت متاحة أكثر في ظل حكومة شعارها (حرية سلام وعدلة)، وقد تذهب تلك الطموحات أدراج الرياح في حال تَسلَّطَ على البلاد جنرالاً، لا يفهم في الإحتجاج السلمي سوى أنه (عدم ضبط وربط)، يحتاج لكلباشٍ قاسٍ على يدي المُحتجّ وكُرباجٌ يلسع ظهره، وشمساً حارقاً يلهب الرأس والقدمين جِزَاءً على مخالفته الأوامر والتظاهر؟.
كيف لهؤلاء الانقلابيون أن يحظوا بقبول إقليمي ودولي في ظل راهن مخالفٌ لكل أشكال الأنظمة القمعية، وقد تسلمت بعثة الأمم المتحدة لتسهيل عملية الإنتقال في السودان (اليونيتامس) مهمتها للتو، وبدأت أعمالها بالفعل بكل إجتهاد، لإسراع عملية الإنتقال، بتدريب المكونات المجتمعية والمؤسسات والناشطين في ترسيخ مباديء الديموقراطية ومناهضة كل أشكال العنف، وقد وضعت الدراسات وشرعت في المساعدة في تعديل القوانين لتواكب النماذج الدولية، كما ساعدت في إنتشار مراصد لقياس معدلات التحول وممارسات العنف والارهاب،كل تلك المجهودات لضمان عدم عودة البلاد إلى قاع الدكتاتوريات!؛ فكيف لعاقل أن يفكَّر في تنفيذ عملية إنقلابية؟، إلا إذا كانوا يمثلون مسرحية أبطالها هواة، لم يرتقوا بعد إلى مستوى النضوج.
لا يقفز عليَّ أحدكم بالقول أن هنالك نماذج في المحيط الأفريقي قد نجحت عندهم الإنقلاب!، فالأوضاع عندنا تختلف جملة وتفصيلاً عما هي عليه هناك وفقاً لما ذكرت.

للسودان ربٌ يحميه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى